(٢) نشير هنا إلى موقف السلطان عبد الحميد الثاني رحمه الله (١٨٤٢ - ١٩١٨م) من مساعي هرتزل لديه للحصول على أرض فلسطين، يقول رحمه الله في مذكراته ص (١٤١): «وانتظم يهود العالم، وسعوا - عن طريق المحافل الماسونية - للعمل في سبيل الحصول على (الأرض الموعودة)! وجاءوا إليَّ بعد فترة وطلبوا مني أرضًا لتوطين اليهود في فلسطين مقابل أموال طائلة وبالطبع رفضت» اهـ. ولقد أورد هرتزل في مذكراته معلومات مفصَّلة عن هذا الحدث، فيقول في ص (٢٩) من الترجمة العربية: «قال السلطان [عبد الحميد]: إنه لن يتخلى أبدًا عن القدس، فإن جامع عمر يجب أن يبقى بيد المسلمين دائمًا»، كذلك قال في ص (٣٥): «قال السلطان لصديقه [نيولينسكي]: "إذا كان صديقك [أي هرتزل]، فانصحه أن لا يسير أبدًا في هذا الأمر، لا أقدر أن أبيع ولو قدمًا واحدًا من البلاد، لأنها ليست لي، بل لشعبي. لقد حصل شعبي على هذه البلاد بإراقة دمه، وقد غذَّاها فيما بعد بدمائه أيضًا. وسوف نغذيها، بل لن نسمح لأحد باغتصابها منَّا ... فليحتفظ اليهود بملايينهم، أما إذا سقطت الدولة [العثمانية] وتم تقسيمها فقد يحصل اليهود على فلسطين بلا مقابل. إننا لن نقسم هذه الدولة إلا على جثتنا، ولن أقبل تشريحنا لأي غرض كان» اهـ. ويحضرني موقف مشابه للملك عبد العزيز رحمه الله (١٨٧٦/ ١٨٨٠ - ١٩٥٣م) تذكره جريس هالسل، فتقول: «خلال الأيام الأخيرة من الحرب العالمية الثانية اجتمع الرئيس روزفلت Franklin D. Roosevelt [١٨٨٢ - ١٩٤٥ م] في أعالي البحار مع الملك عبد العزيز آل سعود. قال روزفلت للعاهل السعودي: إن هتلر والنازيين اضطهدوا اليهود. فاليهود يحتاجون إلى وطن .. ولكن ماذا عن فلسطين؟ لقد رد الملك عبد العزيز قائلًا: ليس الفلسطينيون هم الذين اضطهدوا اليهود. النازيون هم الذين فعلوا ذلك. إن من الخطأ معاقبة الفلسطينيين بسبب ما فعله النازيون. لا يمكن أن أوافق على سلخ وطن عن شعب لإعطائه لشعب آخر» اهـ[جريس هالسل: يد الله، ص (٨٥)].