للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تكتل الإسرائيليين وتجمعهم في حي واحد من أحياء فيينا، ومحافظتهم الشديدة على تقاليدهم وعاداتهم وطقوسهم. وقد زاد في اهتمامي بمسألتهم ظهور الحركة الصهيونية وانقسام يهود فيينا إلى فئتين: فئة تحبذ الحركة الجديدة وتدعو لها، وفئة تشجبها. وقد أطلق خصوم الصهيونية على أنفسهم اسم (اليهود الأحرار)، إلا أن انقسامهم هذا لم يؤثر في التضامن القائم بينهم، مما حملني على الاعتقاد أن انقسامهم مصطنع وأنهم يلعبون لعبتهم، لا في النمسا فحسب، بل في العالم كله. وهي لعبة سداها ولحمتها الكذب والرياء مما يتنافى والطهارة الخلقية، طهارة الذيل التي يدعيها اليهود. وطهارة الذيل هذه، وكل طهارة أخرى يدعيها اليهود، هي ذات طابع خاص، فبعدهم عن النظافة البعد كله أمر يصدم النظر منذ أن تقع العين على يهودي، وقد اضطررت لسد أنفي في كل مرة ألتقي أحد لابسي القفطان، لأن الرائحة التي تنبعث من أردائهم تنم عن العداء المستحكم بينهم وبين الماء والصابون» اهـ (١).

كذلك ففي أثناء محاكمات نورمبرج Nürnberger Prozesse (٢) كان الزعماء النازيون يؤكدون، الواحد تلو الآخر، أن الموقف النازي من اليهود تمت صياغته من خلال الأدبيات الصهيونية، خصوصًا كتابات مارتن بوبر Martin Buber (١٨٧٨ - ١٩٦٥ م) عن الدم والتربة. وقد أشار ألفريد روزنبرج Alfred Rosenberg (١٨٩٣ - ١٩٤٦ م)، أهم المنظِّرين النازيين، إلى أن «بوبر على وجه الخصوص هو الذي أعلن أن اليهود يجب أن يعودوا إلى أرض آسيا، فهناك فقط يمكنهم العثور على جذور الدم اليهودي». ولعله، بهذا، كان يشير إلى حديث بوبر عن اليهود باعتبارهم آسيويين حيث يقول «لأنهم إذا كانوا


(١) وقد سُئل هتلر عن سبب معاداته لليهود، فكانت إجابته قصيرة، بقدر ما كانت قاسية وواضحة، قال: «لا يمكن أن يكون هناك شعبان مختاران، ونحن وحدنا شعب الإله المختار. هل هذه إجابة شافية عن السؤال؟». [انظر، د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٢/ النازية الصهيونية: الأصول الفكرية المشتركة والتماثل البنيوي)].
(٢) تعد محاكمات نورمبرج (٢٠/ ١١/١٩٤٥ - ١/ ١٠/١٩٤٦م) من أشهر المحاكمات التي شهدها التاريخ المعاصر، وقد عقدت لمقاضاة قادة ألمانيا النازية على أعمالهم العدوانية الوحشية وتجاربهم الطبية غير الإنسانية التي أجروها أثناء الحرب العالمية الثانية (١٩٣٩ - ١٩٤٥م).

<<  <   >  >>