للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد طُردوا من فلسطين، ففلسطين لم تُطرَد منهم».

وكان سترايخر Julius Streicher (١٨٨٥ - ١٩٤٦ م) يؤكد أثناء محاكمته أنه تعلم فكرة النقاء العرْقي من النبي عزرا: «لقد أكدت دائمًا حقيقة أن اليهود يجب أن يكونوا النموذج الذي يجب أن تحتذيه كل الأجناس، فلقد خلقوا قانونًا عنصريًا لأنفسهم، قانون موسى الذي يقول "إذا دخلت بلدًا أجنبيًا فلن تتزوج من نساء أجنبيات" (١)». وكانت الأدبيات الصهيونية الخاصة بنقاء اليهود العرْقي ثرية إلى أقصى حد في أوروپاحتى نهاية الثلاثينات (٢).

وفي المقابل، كما سبق لنا القول، فإن هرتزل - كما يرى ناحوم جولدمان - قد توصل إلى فكرته القومية من خلال معرفته بالفكرة والحضارة الألمانية. وكان رواد الصهيونية من اليهود ملمين بالتقاليد الحضارية الألمانية ويكنون لها الإعجاب ولا يكنون احترامًا كبيرًا للحضارات السلافية، وقد غيَّر هرتزل اسمه من (بنيامين) إلى (ثيودور) حتى (يؤلمن) اسمه، وسمَّى ماكس نوردو Max Nordau (١٨٤٩ - ١٩٢٣ م) نفسه بهذا الاسم لإعجابه الشديد بالنورديين .. ولا يختلف زعماء يهود اليديشية عن ذلك، فلغتهم اليديشية هي رطانة ألمانية أساسًا. وكذلك كانت لغة المؤتمرات الصهيونية الأولى هي الألمانية، كما توجه الزعماء الصهاينة أول ما توجهوا لقيصر ألمانيا لكي يتبنى المشروع الصهيوني ... وهكذا (٣).

ولكن العلاقة بين النازية والصهيونية تتعدى مجرد التماثل البنيوي، والتأثير والتأثر الفكري، إذ ثمة علاقة فعلية وُجدت على عدة مستويات: وأدناها هو كيفية استغلال النازيين للدعاية الصهيونية في الترويج لرؤيتهم الإجرامية. وقد تناول الكاتب الأمريكي اليهودي بنيامين ماتوفو Benyamin Matuvo هذا الجانب من العلاقة في دراسته (الرغبة الصهيونية والفعل النازي The Zionist Wish


(١) يقصد ما جاء في عزرا: ١٠: ١٠ - ١٢
(٢) د. عبد الوهاب المسيري: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (٢/ النازية الصهيونية: الأصول الفكرية المشتركة والتماثل البنيوي) باختصار وتصرف يسير.
(٣) انظر السابق.

<<  <   >  >>