والمكاني في ضوء ما حدث بعد ذلك. وهي لا تختلف في جوهرها عن قول إرنست يونجر Ernst Jünger (١٨٩٥ - ١٩٩٨ م)(المفكر القومي العضوي الذي ألهم النازيين) أن «اليهود يتوهمون أن بوسعهم أن يصبحوا ألمانيين في ألمانيا، ولكن هذا أمر غير قابل للتحقق. فاليهود يواجهون خيارًا نهائيًا: إما أن يكونوا يهودًا في ألمانيا، أو لا يكونوا» اهـ.
وفي ضوء هذا التوجه الصهيوني، لم يكن من الغريب أن يرى هتلر حين وصل إلى الحكم أن كثيرًا من الصهاينة على استعداد لتَفهُّم وجهة نظره، فقد صرح الحاخام الصهيوني يواكيم پرنز في يناير ١٩٣٣م أنه لا مكان يمكن لليهود أن يختبئوا فيه. وقال:«بدلًا من الاندماج، نرى نحن الصهاينة أنه يجب الاعتراف بالأمة اليهودية وبالعرْق اليهودي». وحينما قام النازيون في ٣١ يناير ١٩٣٣م بحرق الكتب التي كانوا يرونها هدامة، كتبت يوديش روندشاو Jüdische Rundschau (المجلة الناطقة باسم الاتحاد الصهيوني) تقول إن «كثيرًا من المؤلفين اليهود خونة تنكَّروا لجذورهم لأنهم شتتوا جهودهم بإسهامهم في الثقافة الألمانية غير اليهودية». وفي نبرة ترحيب واضحة، صرح إميل لودفيج Emil Ludwig [الكاتب اليهودي الألماني (١٨٨١ - ١٩٤٨م)] بأن ظهور النازيين دفع بالآلاف من اليهود إلى حظيرة اليهودية مرة أخرى بعد أن كانوا قد ابتعدوا عنها. وقال:«ولذا، فأنا شخصيًا ممتن لهم». وترد نفس الفكرة النازية الصهيونية على لسان الشاعر الصهيوني حاييم بياليك Hayyim Nahman Bialik (١٨٧٣ - ١٩٣٤ م) إذ يرى أن الهتلرية أنقذت يهود ألمانيا، ويضيف:«أنا أيضًا مثل هتلر أُومِنُ بفكرة الدم».
ولم تكن هذه المقالات والتصريحات سوى افتتاحيات تمهيدية للإعلان الصهيوني الألماني الرسمي الذي أصدرته المنظمة الصهيونية في ألمانيا، في ٢١ يونيو ١٩٣٣م، بعد وصول النازيين إلى السلطة (إعلان الاتحاد الصهيوني بشأن وضع اليهود في دولة ألمانيا الجديدة Ausserung der Zionistischen Vereinigung für Deutschland zur Stellung der Juden im Neuen Deutschen Staat)،