للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على حركة الإصلاح الديني وعلى حكومات الدول التي هاجروا إليها (وخاصة في فرنسا وبريطانيا وهولندا وبلچيكا)، كذلك كان لهجرة أتباع الدين الجديد من الپروتستانت والتطهيريين [الپيوريتانيين] آثار مباشرة على بلورة الشخصية الأمريكية بالصورة التي تقوم عليها حتى اليوم» اهـ.

ومع نهاية القرن الثامن عشر أصبح الاعتقاد بالبعث اليهودي يشكل جانبًا مهمًا من اللاهوت الپروتستانتي الأمريكي، حيث احتلت معتقدات المسيح المنتظر والعصر الألفي السعيد مكانًا بارزًا. واتخذت الإنجيلية في الولايات المتحدة شكلًا أكثر هيمنة مما كانت عليه الحال في إنجلترا، وبلغت ذروتها في ثقافة شعبية متميزة كانت تتضمن كثيرًا من تعاليم الصهيونية الروحية والدينية. وعلى ذلك فمنذ فجر التاريخ الأمريكي كان هناك ميل مسيحي قوي للاعتقاد بأن مجيء المسيح المنتظر يجب أن ينتظر عودة الدولة اليهودية. لم يكن ذلك الرأي إجماعيًا بين اللاهوتيين المسيحيين، ولكنه كان يشكل جزءًا من مصفوفة التاريخ الفكري الأمريكي التي كانت تتضمن دائمًا خيطًا من العصر الألفي السعيد في الفكر الأمريكي المسيحي (١).

وفي القرن التاسع عشر، حدث ما يمكن اعتباره الانشقاق الكبير بين منظِّري الألفية؛ فقد أخذ البريطانيون من لاهوتيي هذه الحركة بالرأي الذي يقول إن اليهود سوف يتحولون إلى المسيحية، وأنهم سوف يندمجون في الكنيسة قبل عودتهم إلى فلسطين، وإن هذه العودة سوف تتم كمسيحيين، وليس كيهود. أما الأمريكيون منهم، فأخذوا بالرأي الذي يقول إن اليهود سيعودون إلى فلسطين كيهود وقبل تحولهم إلى المسيحية، وأنهم سيبقون حتى بعد التحول إلى المسيحية، وبعد العودة إلى فلسطين، منفصلين عن الكنيسة (٢).

وكان أبرز رواد هذا الفكر هو چون نيلسون داربي John Nelson Darby (١٨٠٠ - ١٨٨٢ م)، والذي يعتبر «الأب الشرعي للحركة الصهيونية المسيحية في الولايات المتحدة» (٣).


(١) د. ريچينا الشريف: الصهيونية غير اليهودية، ص (١٢٤).
(٢) محمد السماك: الدين في القرار الأمريكي، ص (٢٨ - ٩).
(٣) السابق، ص (٢٩).

<<  <   >  >>