للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأمريكية، ويحدثنا هيكل عن هذه الفترة البالغة الأهمية فيقول (١): «إن الحركة الصهيونية - وبالذات على أيام هرتزل - نزعت إلى الشك في أن أمريكا مركزًا منافسًا أكثر منها مركزًا مساعدًا على مشروعها الصهيوني. وكان قلق المنظمات الصهيونية من البديل الأمريكي شديدًا، لأن اليهود الذين سبقوا بالهجرة إلى أمريكا بدءوا يكتبون إلى عائلاتهم وإلى أصدقائهم يدعونهم إلى القارة الجديدة وينصحونهم بأن أمريكا هي في الواقع (إسرائيل الموعودة). وكان ذلك يأخذ من المشروع الصهيوني ولا يعطيه، فاليهود الذين ذهبوا إلى أمريكا تخلَّوْا تمامًا عن فكرة العودة إلى فلسطين، وراحوا يدعون غيرهم إلى التخلي أيضًا.

وبعد فترة من المنافسة بين المركز الصهيوني الأوروپي الداعي إلى الهجرة لفلسطين وبين المركز اليهودي الجديد في أمريكا المطالب بالهجرة عبر المحيط، فإن الحركة الصهيونية في أوروپاأدركت أن عليها أن تتنازل أو تدخل في صدام يهودي-يهودي. ومع الاضطرابات التي سادت أوروپافي أعقاب حرب السبعين (٢)، فإن الحركة الصهيونية الأوروپية بدأت تدرك أن المركز اليهودي الجديد في أمريكا يمكن أن يكون قوة دعم لها، وليس مجرد منافس يعترض خططها، خصوصًا مع إدراك القيادة الصهيونية في أوروپاإلى حقيقة أن هناك قدرة استيعابية محدودة لفلسطين، ثم إنه ليس من مصلحة المهاجرين اليهود حصرهم جميعًا في الشرق. وكان مما ساعد على مد الجسور بين يهود أمريكا وبين الحركة الصهيونية في أوروپاظهور عدد من الشخصيات اليهودية المؤثرة في المجتمع الأمريكي، وهي شخصيات تستطيع بعقيدتها الدينية وولائها العرقي أن تصبح مددًا لليهود في دولة تقوى اقتصاديًا وسياسيًا وعسكريًا بسرعة كبيرة. وهكذا، فإنه في سنوات ما بين الحربين أصبح يهود أمريكا قوة دعم مادي ومعنوي مفيد للحركة الصهيونية


(١) محمد حسنين هيكل: المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل (١/ ١٦٤ - ٥) باختصار.
(٢) حرب السبعين: هي حرب اندلعت بين فرنسا وپروسيا في الفترة من ١٩ يوليو ١٨٧٠ إلى ١٠ مايو ١٨٧١م، وانتهت بانتصار ساحق للألمان وتوحد الإمپراطورية الألمانية تحت قيادة فيلهلم الأول Wilhelm I (١٧٩٧ - ١٨٨٨ م). [للتوسع، انظر (تاريخ أوروپا) لهربرت فيشر، الجزء الثاني (العصر الحديث)، ص (٢٨٦) وما بعدها.

<<  <   >  >>