للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما عن قوله: «وألقي كلامي في فمه»: فلقد جاء بسفر أشعياء في فصل بعنوان (مصير أورشليم) ما يلي: «ثم تُناولونه لمن لايعرف القراءة وتقولون له: اقرأ هذا، فيجيب: لا أعرف القراءة» (١)، والمشهور من صحيح السيرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان أمِّيًا لا يعرف القراءة والكتابة، وأنه - صلى الله عليه وسلم - أتاه جبريل - عليه السلام - وهو يتعبد فى غار حراء، وقال له: اقرأ. فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما أنا بقارئ. فضمَّه جبريل - عليه السلام - ضمة شديدة، ثم أطلقه وقال له: اقرأ، فقال - صلى الله عليه وسلم -: ما أنا بقارئ. وفعل ذلك ثلاثًا، وفي الثالثة قال له: {اقْرَا بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ. اقْرَا وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ. الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ. عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (٢). هكذا أدرك النبي - صلى الله عليه وسلم - وتلا ما أُلقي في فمه من كلام الله تعالى، قال - جل جلاله -: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ} (٣).

وقوله: «فينقل إليهم جميع ما أكلمه به»: فلقد جاءت الأوامر في القرآن الكريم على السياق التالي: {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} (٤)، {قُلْ إِنَّ صَلاَتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (٥)، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (٦) ... إلخ، وذلك لأنه - صلى الله عليه وسلم -: {مَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} (٧).

بل وقوله: «الذي يتكلم به باسمي»: فيلاحظ أن القرآن الكريم يبدأ {بِسْمِ اللهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ}.

وعن قوله: «وكل من لا يسمع كلامي الذي يتكلم به باسمي أحاسبه عليه»، وفي بعض النسخ: «... سأكون أنا المنتقم»، فيقول رحمة الله الهندي (٨): «فهذا الأمر لما ذكر


(١) أشعياء ٢٩: ١٢
(٢) العلق: ١ - ٥
(٣) النحل: ١٠٣
(٤) الإخلاص: ١
(٥) الأنعام: ١٦٢
(٦) البقرة: ٢١٩
(٧) النجم: ٣ - ٤
(٨) رحمة الله الهندي: إظهار الحق (٢/ ١٩٩).

<<  <   >  >>