للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يقول رحمه الله (١): «فمدة هذه الأمم الثلاث كيوم تام، ومدة ما مضى من الأمم في أول الدنيا كليلة اليوم، فإن الليل سابق النهار، وقد خُلِقَ قبله على أصح القولين، وتلك الليلة السابقة كان فيها نجوم تضيء، ويُهتدى بها، وهم الأنبياء المبعوثون فيها. وقد كان فيهم أيضًا قمرٌ منيرٌ وهو إبراهيم الخليل - عليه السلام -، إمام الحنفاء، ووالد الأنبياء ... وأما ابتداء رسالة موسى - عليه السلام - فكانت كابتداء النهار، فإن موسى وعيسى ومحمدًا - صلى الله عليه وسلم - هم أصحاب الشرائع، والكتب المتَّبَعَة، والأمم العظيمة. وقد أقسم الله بمواضع رسالاتهم في قوله - سبحانه وتعالى -: {وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ. وَطُورِ سِينِينَ. وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} (٢)، وفي التوراة: "جاء الرب من طور سيناء، وأشرق من سعير، واستعلن من جبال فاران"، ولهذا سمَّى محمدًا - صلى الله عليه وسلم - سراجًا منيرًا، لأن نوره للدنيا كنور الشمس وأعمُّ وأعظمُ وأنفعُ. وكانت مدة عمل بني إسرائيل إلى ظهور عيسى كنصف النهار الأول، ومدة عمل أمة عيسى - عليه السلام - كما بين الظهر والعصر، ومدة عمل المسلمين كما بين العصر إلى غروب الشمس، وهذا أفضل أوقات النهار، ولهذا كانت الصلاة الوسطى العصر على الصحيح، وأفضل ساعات الجمعة ويوم عرفة من العصر إلى غروب الشمس. فلهذا كان خير قرون بني آدم القرن الذي بُعِثَ فيه محمد - صلى الله عليه وسلم -» اهـ.

لعلنا نكتفي بهاتين الإشارتين الصريحتين من التوراة، لنتناول بعض البشريات النبوية في العهد الجديد (الإنجيل):

فلقد أخبر المسيح - عليه السلام - بني إسرائيل بأن الله سيستبدل بهم قومًا آخرين، كما جاء بمتَّى: «أما قرأتم في الكتب المقدسة: الحجر الذي رفضه البناءون صار رأس الزاوية؟ هذا ما صنعه الرب، فيا للعجب! لذلك أقول لكم: سيأخذ الله ملكوته منكم ويسلمه إلى شعب يجعله يُثمِر. من وقع على هذا الحجر تهشم. ومن وقع هذا الحجر عليه سحقه» (٣).


(١) ابن رجب الحنبلي: فتح الباري (٤/ ٣٣٨ - ٤٠) باختصار.
(٢) التين: ١ - ٣
(٣) متى ٢١: ٤٢ - ٤٤

<<  <   >  >>