للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وحينما استقر الأمر في نفوس أتباعه انتقل إلى هدفه المرسوم، وهو خروج الناس على الخليفة عثمان - رضي الله عنه -، فصادف ذلك هوى في نفوس بعض القوم حيث قال لهم: «من أظلم ممن لم يجز وصية رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وتناول أمر الأمة!»، ثم قال لهم بعد ذلك: «إن عثمان أخذها بغير حق، وهذا وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فانهضوا في هذا الأمر فحركوه، وابدءوا بالطعن على أمرائكم، وأظهروا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستميلوا الناس، وادعوهم إلى هذا الأمر» (١).

وهو بهذا أراد أن يوقع في أعين الناس بين اثنين من الصحابة، حيث جعل أحدهما مهضوم الحق وهو عليّ، وجعل الثاني مغتصبًا وهو عثمان.

ثم إنه أخذ بعد ذلك يحض أتباعه على إرسال الرسائل بأخبار سيئة مفجعة عن مصرهم إلى بقية الأمصار، فيتخيل أهل البصرة مثلًا أن حال أهل مصر على أسوأ ما يكون من قِبَل واليهم، ويتخيل أهل مصر أن حال أهل الكوفة على أسوأ ما يكون من قِبَل أميرهم، وكان أهل المدينة يتلقون الكتب من الأمصار بحالها وسوئها من أتباع ابن سبأ.

وهكذا يتخيل الناس في جميع الأمصار أن الحال بلغ من السوء ما لا مزيد عليه. والمستفيد من هذا الحال هم السبئية، لأن تصديق ذلك من الناس يفيدهم في إشعال شرارة الفتنة داخل المجتمع الإسلامي.

ولقد شعر عثمان - رضي الله عنه - بأن شيئًا ما يحاك في الأمصار وأن الأمة تمخض بشرٍّ فقال: «والله إن رحى الفتنة لدائرة، فطوبى لعثمان إن مات ولم يحركها» (٢).

ورتع ابن سبأ في مصر، وهناك أخذ ينظم حملته ضد عثمان - رضي الله عنه - ويحث الناس على التوجه إلى المدينة لإثارة الفتنة بدعوى أن عثمان أخذ الخلافة بغير حق، ووثب على وصي رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

وقد غشَّهم بكتب ادَّعى أنها وردت من كبار الصحابة، حتى إذا أتى هؤلاء الأعراب المدينة النبوية واجتمعوا بالصحابة لم يجدوا منهم تشجيعًا، حيث تبرءوا مما نسب إليهم


(١) السابق (٤/ ٣٤٠ - ١).
(٢) السابق (٤/ ٣٤٣).

<<  <   >  >>