للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

من رسائل تؤلب الناس على عثمان، كما قالت عائشة رضي الله عنها: «لا والذي آمن به المؤمنون وكفر به الكافرون ما كتبت لهم سوداء في بيضاء حتى جلست مجلسي هذا» (١).

ووجد الأعراب عثمان مقدِّرا للحقوق، بل وناظرهم فيما نسبوا إليه، وردَّ عليهم افتراءهم، وفسَّر لهم صدق أعماله حتى قال أحدهم وهو مالك الأشتر النخعي: «لعله قد مكر به وبكم» (٢).

لكن لم يقف الأمر عند المناظرة، بل كان السبئية ينوون تنفيذ خطتهم على مراحل، فهم قصدوا في تلك المرحلة أن يذكروا لعثمان أخطاء له يقرُّونه بها، ويزعمون بعد ذلك للناس أنه لم يخرج عنها، وأنه لم يتب، فيحلَّ لهم بذلك دمه، فرجعوا بعد مناظرتهم لعثمان إلى أمصارهم وتواعدوا أن يعودوا إلى المدينة في شوال سنة (٣٥هـ/٦٥٥م)، أي في السنة نفسها (٣).

روى الطبري بسنده عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري قال (٤): «... ثم رجع الوفد المصريون راضين (٥)، فبينا هم في الطريق إذا هم براكب يتعرض لهم ثم يفارقهم، ثم يرجع إليهم ثم يفارقهم ويتبينهم (٦)، قالوا له: ما لك، إن لك لأمرًا! ما شأنك؟ فقال: أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر، ففتشوه فإذا هم بالكتاب على لسان عثمان عليه


(١) ابن كثير: البداية والنهاية (٧/ ١٩٥)، وقال: «وهذا إسناد صحيح إليها» اهـ.
(٢) تاريخ الطبري (٤/ ٣٨٣). ولمعرفة هذه الافتراءات وما جاء في الرد عليها، راجع (العواصم من القواصم)، للقاضي ابن العربي وتعليق محب الدين الخطيب، ص (٦١ - ١١٠)، و (تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة)، لمحمد أمحزون، ص (٣٠١ - ٣٦).
(٣) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (٢٤٥) بتصرف.
(٤) تاريخ الطبري (٤/ ٣٥٥ - ٦)، ويقول الدكتور محمد أمحزون: «وهي من أصح الروايات» [انظر السابق، ص (٢٤٦)].
(٥) كان الزاحفون على مدينة الرسول - صلى الله عليه وسلم - فريقين: رؤساء خادعين على درجات متفاوتة، ومرءوسين مخدوعين وهم الكثرة التي بُثَّت فيها دعايات مغرضة. [انظر: العواصم من القواصم، ص (١٢٥) الهامش].
(٦) ولا يتعرض لهم ثم يفارقهم ويكرر ذلك إلا ليلفت أنظارهم إليه، ويثير شكوكهم فيه. وهذا ما أراده مستأجرو هذا الرجل لتمثيل هذا الدور، ومدبرو هذه المكيدة لتجديد الفتنة بعد أن صرفها الله وأراح المسلمين من شرورها. [انظر: العواصم من القواصم، ص (١٢٦) الهامش].

<<  <   >  >>