للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ويعقب الدكتور محمد أمحزون فيقول (١): «وقد أثبت هؤلاء أسماء رواة الأخبار التي أوردوها ليكون الباحث على بصيرة من كل خبر بالبحث عن حال رواته. وقد وصلت إلينا هذه التركة لا على أنها هي تاريخنا، بل على أنها مادة غزيرة للدرس والبحث يستخرج منها تاريخنا. وهذا ممكن ميسور إذا تولاه من يلاحظ مواطن القوة والضعف في هذه المصادر وفق المقاييس الشرعية، فيستخلص بذلك حقيقة ما وقع، ويجردها عن الذي لم يقع، مكتفيًا بأصول الأخبار الصحيحة مجردة عن التحريفات الطارئة عليها، وإن الرجوع إلى كتب الحديث وملاحظات الأئمة والعلماء مما يسهل هذه المهمة» اهـ.

ولقد أفاد الشيخ محمد ناصر الدين الألباني رحمه الله (١٣٣٣ - ١٤٢٠هـ/١٩١٤ - ١٩٩٩م) في مقدمة تحقيقه لكتاب (اقتضاء العلم العمل) للخطيب البغدادي (٣٩٢ - ٤٦٢هـ) (٢) بقوله: «قد يقول قائل: إذا كان المؤلف [يعني الخطيب] بتلك المنزلة العالية في المعرفة بصحيح الحديث ومطروحه، فما لنا نرى كتابه هذا وغيره من كتبه قد شحنها بالأحاديث الواهية؟ والجواب: أن القاعدة عند علماء الحديث أن المحدث إذا ساق الحديث بسنده، فقد برئت عهدته منه، ولا مسئولية عليه في روايته مادام أنه قد قرن معه الوسيلة التي تُمَكِّن العالِم من معرفة ما إذا كان الحديث صحيحًا أو غير صحيح، ألا وهي الإسناد: (من أسند فقد أحالك). نعم، كان الأولى بهم أن يُتبِعوا كل حديث ببيان درجته من الصحة أو الضعف، ولكن الواقع يشهد أن ذلك غير ممكن بالنسبة لكل واحد منهم، وفي جميع أحاديثه على كثرتها لأسباب كثيرة لا مجال لذكرها الآن، ولكن أذكر منها أهمها، وهي أن كثيرًا من الأحاديث لا تظهر صحتها أو ضعفها إلا بجمع الطرق والأسانيد، فإن ذلك مما يساعد على معرفة علل الحديث، وما يصح من أحاديث لغيره، ولو أن المحدثين كلهم انصرفوا إلى التحقيق وتمييز الصحيح من الضعيف لما استطاعوا - والله أعلم - أن يحفظوا لنا هذه الثروة الضخمة من الأحاديث والأسانيد، ولذلك انصبَّت همم جمهورهم على مجرد


(١) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (٤٧).
(٢) انظر مقدمة الألباني رحمه الله، ص (٥ - ٦)، تحت عنوان: فائدة.

<<  <   >  >>