للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقد كان مقتل عثمان سببًا مباشرًا في خلق أزمة أخرى، أو بالأحرى فتنة ثانية تضاربت فيها الآراء وتباينت فيها وجهات النظر، واختلفت الاجتهادات في الوسيلة للانتقام من الخوارج الذين قتلوا عثمان - رضي الله عنه -.

فرأت طائفة من الصحابة أن أول واجب على الأمة هو الثأر لخليفتها الشهيد والقصاص من القتلة الآثمين، ورأى آخرون أن أول ما ينبغي هو اجتماع الكلمة واستتباب الأمن، والصبر حتى تهدأ الأحوال وتنكشف ذيول المؤامرة، ثم يكون استئصال شأفتها وقطع دابر دواعيها.

ورأت طائفة ثالثة أن الخليفة المظلوم لم يحتمل ذلك الحصار الآثم، ويمنع أتباعه المؤمنين من ذلك إلا حرصًا على ألا تراق قطرة دم أو تثور أدنى فتنة بين أمة الإسلام، فالأولى بمن بعده أن يؤثروا العافية، وألا يكونوا طرفًا في أي نزاع، خاصة وأن الأحاديث الواردة في هذا الباب تنهى عن القتال في الفتنة (١).

والطائفة الأولى: كانت طائفة معاوية وطلحة والزبير وعائشة ومن كان على رأيهم، فكان معاوية - رضي الله عنه - يرى وجوب التعجيل بقتل قتلة عثمان - رضي الله عنه -، وذلك لأن معاوية وعثمان رضي الله عنهما أبناء عمومة. ولم يكن معاوية مدعيًا الخلافة ولا منكرًا حق علي - رضي الله عنه - فيها، وإنما كان ممتنعًا عن بيعته وعن تنفيذ أوامره في الشام حيث كان متغلبًا عليها بحكم الواقع لا بحكم القانون، مستفيدًا من طاعة الناس له بعد أن بقي واليًا فيها زهاء عشرين سنة (٢)، قال ابن كثير (٣): «قال معاوية: لا أبايعه [أي عليًّا] حتى يسلمني قتلة عثمان فإنه قتل مظلومًا، وقد قال الله تعالى: {وَمَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلاَ يُسْرِف فِّي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا} (٤)»، وروى الدِّينَوَري (ت. ٢٨٢هـ) في أخباره الطوال أن معاوية كتب إلى علي رضي الله عنهما عندما طلب منه الدخول في البيعة قائلًا: «فإن كنت صادقًا فأمكِنَّا من قتلة عثمان


(١) السابق، ص (٤٥١).
(٢) السابق، ص (٥٢٤) بتصرف.
(٣) ابن كثير: البداية والنهاية (٨/ ٢١).
(٤) الإسراء: ٣٣

<<  <   >  >>