للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

تنفيذ القصاص في قتلة عثمان لتعصبت لهم قبائل وصارت حربًا أهلية، وقد حدث هذا عندما تعاطى طلحة والزبير القود من قتلة عثمان بالبصرة، فغضب لهم آلاف من الناس وتعصبوا لهم، واجتمعوا على حرب طلحة والزبير (١).

وقد قال لهما القعقاع بن عمرو: «قد قتلتما قتلة عثمان من أهل البصرة وأنتم قبل قتلهم أقرب إلى الاستقامة منكم اليوم، قتلتم ستمائة إلا رجلًا فغضب لهم ستة آلاف واعتزلوكم وخرجوا من بين أظهركم، وطلبتم ذلك الذي أفلت [يعني حرقوص بن زهير] فمنعه ستة آلاف وهم على رجل، فإن تركتموه كنتم تاركين لما تقولون، وإن قاتلتموهم والذين اعتزلوكم فأديلوا (٢) عليكم، فالذي حذرتم وقربتم به هذا الأمر أعظم مما أراكم تكرهون، وأنتم أحميتم مضر وربيعة من هذه البلاد فاجتمعوا على حربكم وخذلانكم نصرة لهؤلاء، كما اجتمع هؤلاء لأهل هذا الحدث العظيم والذنب الكبير. فقالت أم المؤمنين رضي الله عنها: فتقول أنت ماذا؟ قال: أقول هذا الأمر دواؤه التسكين، وإذا سكن اختلجوا، فإن أنتم بايعتمونا (٣) فعلامة خير وتباشير رحمة ودرك بثأر هذا الرجل وعافية وسلامة لهذه الأمة، وإن أنتم أبيتم إلا مكابرة هذا الأمر واعتسافه كانت علامة شر وذهاب هذا الثأر، وبعثة الله في هذه الأمة هزاهزها (٤) فآثروا العافية ترزقوها، وكونوا مفاتيح الخير كما كنتم تكونون، ولا تعرضونا للبلاء ولا تعرضوا له فيصرعنا وإياكم، وأيم الله إني لأقول هذا وأدعوكم إليه وإني لخائف ألا يتم حتى يأخذ الله - عز وجل - حاجته من هذه الأمة التي قل متاعها ونزل بها ما نزل، فإن هذا الأمر الذي حدث أمر ليس يقدّر، وليس كالأمور، ولا كقتل الرجل الرجل، ولا النفر الرجل، ولا القبيلة الرجل. فقالوا: نعم، إذًا قد أحسنت وأصبت المقالة، فارجع فإن قدم علي وهو على مثل رأيك صلح هذا الأمر. فرجع إلى علي فأخبره فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه ورضيه من رضيه» (٥).


(١) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (٤٦٧ - ٨).
(٢) من الإدالة وهي الغلبة.
(٣) أي عاهدتمونا.
(٤) أي فتنها.
(٥) تاريخ الطبري (٤/ ٤٨٨ - ٩).

<<  <   >  >>