للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كل من علي ومعاوية، فقد ورد العزل في حق معاوية في غير محله، لأنه إذا تصورنا أن يعزل الحكمان عليًا من منصب الخلافة - إذا فرضنا جدلًا أنهما كانا يحكمان فيها -، ولكن عمَّ يعزلان معاوية؟! هل كانا يملكان عزله عن قرابته أو منعه من المطالبة بحقه فيها؟! وهل عهد التاريخ في حقبة من حقبه أن يُعزل ثائر عن زعامة الثائرين معه بقرار يصدره قاضيان؟! ولا شك أن هذا عامل آخر يؤيد بطلان القصة الشائعة عن قضية التحكيم والقرار الصادر فيها (١).

وما صح هو ما رواه ابن العربي رحمه الله، فقال (٢): «ذكر الدارقطني بسنده إلى حُضين بن المنذر (٣): لما عزل عمرو معاوية جاء [أي حضين] فضرب فسطاطه قريبًا من فسطاط معاوية، فبلغ نبؤه معاوية، فأرسل إليه فقال: إنه بلغني عن هذا [أي عن عمرو بن العاص] كذا وكذا، فاذهب فانظر ما هذا الذي بلغني عنه. فأتيته فقلت: أخبرني عن الأمر الذي وليت أنت وأبو موسى كيف صنعتما فيه؟ قال: قد قال الناس في ذلك ما قالوا، والله ما كان الأمر على ما قالوا، ولكن قلت لأبي موسى: ما ترى في هذا الأمر؟ قال: أرى أنه في النفر الذين تُوُفِّيَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو عنهم راضٍ. قلت: فأين تجعلني أنا ومعاوية؟ فقال: إن يستعن بكما ففيكما المعونة، وإن يستغن عنكما فطالما استغنى أمر الله عنكما ...». وليس من شك في أن أمر الخلاف الذي رأى الحكمان رده إلى الأمة أو إلى أهل الشورى ليس إلا أمر الخلاف بين علي ومعاوية حول قتلة عثمان، وهو ما أطبقت على ذكره المصادر الإسلامية (٤).

يقول محب الدين الخطيب (٥): «فرواية الدارقطني هذه - وهو من أعلام الحديث - عن رجال عدول معروفين بالتثبيت، ويقدرون مسئولية النقل هي التي تتناسب مع ماضي


(١) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (٥١٧ - ٩) بتصرف.
(٢) ابن العربي: العواصم من القواصم، ص (١٧٨ - ٩).
(٣) تابعي ثقة، كان صاحب راية علي يوم صفين (ت. ٩٧هـ).
(٤) د. محمد أمحزون: تحقيق مواقف الصحابة في الفتنة، ص (٥٢٤) بتصرف.
(٥) قاله في تعليقه على (مختصر التحفة الاثني عشرية)، لمحمود شكري الألوسي، ص (٣٥٧).

<<  <   >  >>