للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كما أمر الكتاب المقدس المسيحيين قائلًا: "اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمِّدوهم باسم الآب والابن والروح القدس" (١)» اهـ.

ولعل هذا الكلام يفصح عن القناعة التي توصل إليها مجلس الكنائس العالمي أخيرًا، من إخراج الحوار من أطره الدينية إلى (مفاوضات) في أسلوب العيش المشترك، كما يتحاور سائر البشر على قضايا حياتية مشتركة، إذ لا جدوى من الحوار اللاهوتي - حسب تعبيرهم - بين ديانتين كل منهما (تطرح فرضيات مطلقة)، وتمتلكان (الرغبة القوية في نشر دينها).

ولعل هذه القناعة هي التي آلت بمجلس الكنائس العالمي إلى إلغاء اللجنة الخاصة بالحوار مؤخرًا، وجعل اللقاء بالمسلمين يندرج في إطار العلاقات الدولية. وهو إصلاح إداري يتناسب مع القناعة المشار إليها.

ولكن لا نغفل عن الإشارة إلى أن هذه المحاضرة المفعمة بعبارات الصداقة والسلام والتعاون والتفهم والانفتاح، ألقيت في الوقت الذي كان التعصب الصليبي الحاقد يحصد أرواح المسلمين العزل في بلاد البوسنة والهرسك، ويدك المآذن والمنازل على رؤوس المصلين والسكان الأبرياء. هذا لون، ولون آخر يتمثل في ضراوة النشاط التنصيري الذي تمارسه الإرساليات النصرانية على اختلاف طوائفها في أوساط المسلمين المشردين، مستغلين ضعفهم وبؤسهم وحاجتهم، لتعميدهم باسم الآب والابن والروح القدس! فأين النزاهة والاحترام وحماية الحريات الدينية يا ترى؟ أم أن لغة المحافل والمؤتمرات تختلف عن لغة الميدان والواقع؟ وصدق الله: {يُرْضُونَكُم بِأَفْوَاهِهِمْ وَتَابَى قُلُوبُهُمْ وَأَكْثَرُهُمْ فَاسِقُونَ} (٢).

...

هذا من الناحية الحوارية النظرية، والواقع أن هذه (الحيل الطروادية) لم تجنِ ثمارها ولم تحد من انتشار الإسلام الذي هو الأكثر انتشارًا اليوم في الغرب، بلا سيف كما يزعم بنديكت، بل وفي زمان استضعاف للمسلمين كما هو مشاهد، ولله الفضل والمنة .. بل


(١) متى ٢٨: ١٩
(٢) التوبة: ٨

<<  <   >  >>