للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كذلك، فإن هذه المسالك الحوارية لم تنل التأييد العام المطلوب. ومن ثم، فأراه من التغافل المتعمد القول بأن (التعايش والحوار) هما السمة الأساسية لواقع المسلمين اليوم في الغرب، والأمر لا يزال يحتاج إلى كثير بيان، وهذا ما سنفرد له الفصول الباقية من هذا الباب ..

ولكن بعد ذلك نقول: ما المسلك المختار لدعوة الحوار؟؟

قد تقدم بنا القول بأن المنهج الرباني في هذا الباب يتبين في قول الله - جل جلاله -: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} (١). فالكلمة السواء هي قضية التوحيد المطلق لله تعالى في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، ونبذ مظاهر الشرك وعبودية ما سوى الله تعالى، وهو ما أشرنا إليه بقولنا: (العودة إلى الأصل)؛ {إِنَّ اللهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} (٢)، وهو تعالى القائل: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللهِ الإِسْلاَمُ} (٣)، وكما أخبر رسوله - صلى الله عليه وسلم -: «الأنبياء إخوة لعَلاَّت، أمهاتهم شتى، ودينهم واحد» (٤)،

فدينهم هو الإسلام وإن اختلفت شرائعهم: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} (٥)، حتى جاءت شريعة خاتم النبيين محمد - صلى الله عليه وسلم - ناسخة لما قبلها من الشرائع، وفيها قال رب العزة - جل جلاله -: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (٦)، وقال رسوله - صلى الله عليه وسلم -: «والذي نفس محمد بيده، لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار» (٧)، {قُلْ أَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ} (٨).

غير ذلك، فإن من مقاصد الحوار الشرعي هو الدعوة إلى التعايش السلمي المجرد بين الطرفين سواء أكان على المستوى الداخلي أو الخارجي، الجماعي أو الفردي، وهذا


(١) آل عمران: ٦٤
(٢) النساء: ٤٨
(٣) آل عمران: ١٩
(٤) رواه البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء: ٣٤٤٣. وأولاد العَلاَّت: هم الإخوة من أب واحد وأمهات شتى، أما الإخوة من الأبوين فيقال لهم أبناء الأعيان ..
(٥) المائدة: ٤٨
(٦) آل عمران: ٨٥
(٧) رواه مسلم، كتاب الإيمان: ١٥٣
(٨) آل عمران: ٣٢

<<  <   >  >>