للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مقصد محمود في ذاته، بل تقتضيه السياسة الشرعية لمصلحة الأمة الإسلامية. وقد رافق هذا اللون من حوار التعايش نشأة الأمة الإسلامية منذ عهد النبوة، كما جرى في المعاهدات النبوية مع يهود المدينة وغيرهم، وزخر الفقه الإسلامي المؤسس على الكتاب والسنة بتراث ضخم في مجال العلاقات بين المسلمين وغيرهم، خاصة وأن الاختلاف الاعتقادي الحاصل هو اختلاف كوني قدري قضى الله تعالى بوقوعه، فقال - جل جلاله -: {وَلَوْ شَاء اللهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم} (١).

ومع قضاء الله - عز وجل - بوقوع هذا الاختلاف أطلق تبارك وتعالى أمره فقال: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا} (٢)، بل وفرض علينا - عز وجل - حسن الجوار ولم يخصص، فقال: {وَاعْبُدُوا اللهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصَّاحِبِ بِالجَنبِ وَابْنِ السَّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنَّ اللهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ مُخْتَالًا فَخُورًا} (٣)، ولقد اختار الطبري - رحمه الله - في معنى (الْجُنُب): «الغريب البعيد، مسلمًا كان أو مشركًا، يهوديًا كان أو نصرانيًا» (٤).

فهذه كلها أمور تعبدية يثاب فاعلها ويأثم تاركها، ولكن ينبغي ملاحظة الآتي:

أنه في وقت شاع فيه ما عرف (بالإسلاموفوبيا Islamophobia) أو الهلع من الإسلام، وذلك نتيجة عدة أمور يتقاسمها الطرفان: فعلى الجانب الإسلامي فأعزوها - باختصار - إلى سوء الفهم عن الله ورسوله؛ وقد أثر عن ابن مسعود - رضي الله عنه - قوله: «إن كنتم لا بد مقتدين فاقتدوا بالميت فإن الحي لا يؤمن عليه الفتنة» (٥)، ولقد أخبر ربنا - جل جلاله - فقال: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} (٦)، ولله در ابن القيم إذ يقول (٧): «سوء الفهم عن الله ورسوله أصل كل بدعة وضلالة نشأت في الإسلام بل هو أصل كل خطأ في الأصول


(١) المائدة: ٤٨
(٢) البقرة: ٨٣
(٣) النساء: ٣٦
(٤) تفسير الطبري (٨/ ٣٣٩).
(٥) أخرجه الطبراني في (الكبير) (٩/ ١٦٦)، وقال الهيثمي (ت. ٨٠٧هـ): «ورجاله رجال الصحيح» [الهيثمي: مجمع الزوائد (١/ ٤٣٣)].
(٦) التوبة: ١٠٠
(٧) ابن قيم الجوزية: الروح، ص (٧١).

<<  <   >  >>