وصار التشيع مأوى وملجأ لكل من أراد هدم الإسلام لعداوة أو حقد، ومن كان يريد إدخال تعاليم آبائه من يهودية ونصرانية وزرادشتية وهندية، ومن كان يريد استقلال بلاده والخروج على مملكته، وكل هؤلاء كانوا يتخذون حب أهل البيت ستارًا يضعون وراءه كل ما شاءت أهواؤهم. وبدأ التشيع الأصلي يذوب، والشيعة الأولى ينقرضون إلا القليل، وعلى رأسهم أولاد علي وبنو هاشم، وبدأت أفكار السبئية تتسرب إليهم وتتغلب عليهم، خصوصًا شهادة الحسين - رضي الله عنه - جعلت الموالين لعلي وأولاده وحتى بعض الطالبيين أيضًا يحسون بالحرمان الكبير واليأس الكثير، ويجدون أنفسهم تواقة إلى الانتقام وخصوصًا قلب نظام الحكم القائم المتهم بقتل الحسين وأهله في كربلاء، وبدأ بعض الجهلة والمغفلين ينقمون كل ما يتصل بالحكام ويبغضون كل ما يرى برأيهم وحتى العقائد والمعتقدات، فلما رأى هؤلاء أن ولاة الأمر يعظمون أبا بكر وعمر وعثمان وبقية أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأزواجه أمهات المؤمنين بدءوا يتبرءون منهم ويتكلمون فيهم. لا لأنهم يجدون عليهم شيئًا، بل كرهًا لكل ما يسمعونه على المنابر وفي المحاريب.
هذا وبلغ الأمر بعد تطور الشيعة إلى حد أنهم بدءوا ينكرون المسَلَّمات والأسس التي عليها يقوم المذهب الإسلامي الحنيف والشريعة السماوية السمحاء، فقط لأن الحكام يتمسكون بها ويعتقدونها، مثل القرآن، الكتاب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وسنة رسول الله التي جعلها الله بيانًا لهذا القرآن» اهـ.
وما أشبه هذه (المرحلية) التي مر بها تاريخ التشيع - فيما أرى - بما حدث مع قوم نوح - عليه السلام -؛ قال تعالى:{وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا}(١)، وقد روى البخاري بسنده عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: «صارت الأوثان التي كانت في قوم نوح في العرب بعد، أما ود: كانت لكلب بدومة الجندل، وأما سواع: كانت لهذيل، وأما يغوث: فكانت لمراد، ثم لبني غطيف بالجوف عند سبأ، وأما يعوق: فكانت لهمدان، وأما نسر: فكانت لحِمْيَر، لآل ذي الكلاع، أسماء رجال صالحين من قوم نوح، فلما هلكوا أوحى الشيطان إلى قومهم: أن انصبوا إلى مجالسهم التي كانوا