للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الغزيرة الدالة على حسن معاشرة المسلمين لجيرانهم، وتسامح الفاتحين المسلمين مع أهل البلاد التي يغزونها، فكما يقول جوستاف لوبون (١): «أُكرِهَت مصر على انتحال النصرانية، وهبطت بذلك إلى دركات الانحطاط مقدارًا فمقدارًا إلى أن جاء الفتح العربي ... ولقد فتح القائد عمرو بن العاص بلاد مصر في السنة الثامنة عشرة من الهجرة (٦٣٩م) ... وهو لم يتعرض إلى ديانتهم ولا إلى نظمهم ولا عاداتهم، ولم يطالبهم بغير جزية سنوية قدرها خمسة عشر فرنكًا عن كل رأس مقابل حمايتهم، فرضي المصريون بذلك شاكرين»، ويقول ألفرد بُتلر (١٨٥٠ - ١٩٣٦م) (٢): «إن فتح العرب لمصر كان بركة على المصريين خفض عنهم وطأة الضرائب» (٣).

وقارن هذا بما صرح به الأنبا بيشوي، مكرم إسكندر، سكرتير المجمع المقدس بالكنيسة المصرية والرجل الثاني فيها، معتبرًا المسلمين بأنهم: «ضيوف حلُّوا علينا ونزلوا في بلدنا»، وأضاف مستنكرًا: «ألا يكفي أن الجزية فرضت علينا وقت الفتح العربي؟» (٤).

ولكن دع عنك هذا الافتراء (٥)، وتأمل بركة الفتح الإسلامي فيما يشير إليه الإمام ابن خلدون رحمه الله (٧٣٢ - ٨٠٨هـ) في قوله (٦): «من الغريب الواقع أن حَمَلة العِلم في الملة الإسلامية أكثرهم العجم، [وليس في العرب حملة علم]، لا [في] العلوم الشرعية ولا [في] العلوم العقلية إلا في القليل النادر. وإن كان منهم العربي في نسبه، فهو أعجمي في


(١) جوستاف لوبون: حضارة العرب، ص (٢٠٨) باختصار.
(٢) ألفرد بُتلر: فتح العرب لمصر، ص (٤٦٨). Alfred J. Butler: The Arab Conquest of Egypt
(٣) وللتوسع في هذا الباب أحيلك على دراسة للدكتور محمد بن منقذ السقار بعنوان: التعايش مع غير المسلمين في المجتمع المسلم. وهي ورقة بحث تقدم بها للمشاركة في الندوة الدولية التي عقدتها منظمة (إيسيسكو)، بالتعاون مع وزارة الثقافة والمحافظة على التراث في الجمهورية التونسية، تحت عنوان: الحضارات والثقافة الإنسانية: من الحوار إلى التحالف. والتي عقدت في تونس في الفترة من ٣٠/ ١ إلى ١/ ٢/٢٠٠٦م. تجدها على موقع المنظمة. www.isesco.org.ma
(٤) انظر حواره مع جريدة (المصري اليوم)، بتاريخ ١٥/ ٩/٢٠١٠م، ص (١٥).
(٥) ولدحضه، أحيلك على دراسة المهندس فاضل سليمان: أقباط مسلمون قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -.
(٦) مقدمة ابن خلدون، ص (٧٤٧)، وما بين الأقواس زيادات في نُسَخ أخرى.

<<  <   >  >>