للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أمام الملأ، وكشفت القناع عن وجوههم، وأبانت عن عداوتهم ونفاقهم، وقطعت صلتهم بالإسلام والقرآن وأهل البيت».

ويقول (١): «وقد تتبعت الآراء المنسوبة لابن سبأ وطائفة السبئية فلم أجد أن هذه المقالة قد نقلت عن ابن سبأ لأنها - فيما يبدو - لم تخطر على باله لوضوح بطلانها أمام الجيل الذي عاصر التنزيل، ولأنها وسيلة سريعة لانكشاف كذبه، فلم يتجرأ ابن سبأ على إشاعة هذه الفرية. لم يقل إن الصحابة حرَّفوا القرآن، ولكن عدل عن ذلك إلى القول "بأن هذا القرآن جزء من تسعة أجزاء وعلمه عند علي"، وهي مقالة مجملة لم يفصح فيها عن مراده، وقد يوضحها ما جاء في رسالة الحسن بن محمد بن الحنفية وهو قوله: "ومن خصومة هذه الشبيبة التي أدركنا أن يقولوا هدينا بوحي ضل عنه الناس وعلم خفي، ويزعمون أن نبي الله كتم تسعة أعشار القرآن، ولو كان نبي الله كاتمًا شيئًا مما أنزل الله لكتم شأن امرأة زيد {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ} (٢) ". فإذن لم تكن هذه القضية من مقالات السبئية بل حدثت فيما بعد، أما من هو الذي تولى كبر وضع هذا الكفر بين الشيعة؟ فإن الإجابة الجازمة المحددة قد لا تكون ميسرة».

ويشير كذلك (٣) إلى أنه كان من أوائل من أشاروا إلى ظهور هذه الفرية من أهل السنة هو الإمام أبو بكر محمد بن القاسم الأنباري (٢٧١ - ٣٢٨هـ)، حيث قال (٤): «لم يزل أهل الفضل والعقل يعرفون من شرف القرآن وعلو منزلته ما يوجبه الحق والإنصاف والديانة ... حتى نبغ في زماننا هذا زائغ زاغ عن الملة وهجم على الأمة بما يحاول به إبطال الشريعة التي لا يزال الله يؤيدها ... فزعم أن المصحف الذي جمعه عثمان - رضي الله عنه - باتفاق أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على تصويبه فيما فعل لا يشتمل على جميع القرآن، إذ كان


(١) السابق (١/ ٢٢٥ - ٦).
(٢) الأحزاب: ٣٧، وانظر: كتاب (الإيمان)، للعدني (١/ ١٤٨). وقد نقل الدكتور القفاري النص من مخطوطة المكتبة الظاهرية هكذا: «ومن خصومة هذه السبئية التي أدركنا يقولوا [كذا] هدينا لوحي ضل عنه الناس وعلم خفي ...».
(٣) د. ناصر القفاري: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية (١/ ٢٠٤) وما بعدها.
(٤) انظر: الجامع لأحكام القرآن، للقرطبي (١/ ١٢٧).

<<  <   >  >>