للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

استحيت من الله أن تقول في كتابك في الإمامة أن الله تعالى لم يقل قط في القرآن {ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا} (١)، قال: فضحك والله شيطان الطاق ضحكًا طويلًا حتى كأنا نحن الذي أذنبنا!».

هذه الحكاية أوردها ابن حزم عن الجاحظ، وقد قال عنه ابن حزم إنه «وإن كان أحد المجان ومن غلب عليه الهزل وأحد الضلال المضلين فإننا ما رأينا له في كتبه تعمد كذبة يوردها مثبتًا لها وإن كان كثيرًا لإيراد كذب غيره» اهـ (٢).

وقد تقدمت بنا ترجمة شيطان الطاق، «والمعروف أن شيطان الطاق معاصر لهشام بن الحكم، فقد يكون أحد الشركاء في هذه (الجريمة) مع هشام بن الحكم فهو شريك في التأليف حول مسألة الإمامة والتي هي السبب والأصل للقول بهذا الافتراء كما تدل عليه نصوص هذه الفرية» (٣)، والتي من ثم شاعت في الشيعة الاثني عشرية، وكان أول ظهور لها - كما يرجح القفاري (٤) - في أول كتاب ظهر للشيعة - حسب تقديرهم لأسبقية كتبهم -، وهو كتاب سليم بن قيس الهلالي (ت. ٩٠هـ).

وهذا الكتاب الذي خلعوا عليه هذا الثناء والتوثيق لم يصلهم إلا عن طريق رجل واحد فقط، كما يقول ابن النديم (٥): «كتاب سليم بن قيس الهلالي المشهور، رواه عنه أبان بن أبي عياش، لم يروه عنه غيره» اهـ.

ولقد كشف عالمهم الغضائري أن الكتاب موضوع، فقال: «والكتاب موضوع لا مرية فيه» (٦)، وعند ابن داود قوله (٧): «لم يرو عنه إلا أبان بن أبي عياش، وفي الكتاب مناكير مشتهرة، وما أظنه إلا موضوعًا» اهـ.

وسليم بن قيس هذا مجهول لا ذكر له في كتب أهل السنة المعتبرة (٨)، في حين أنه قال


(١) التوبة: ٤٠
(٢) ابن حزم: الفِصَل (٤/ ١٣٩).
(٣) د. ناصر القفاري: مسألة التقريب بين أهل السنة والشيعة (١/ ٢٠٧).
(٤) السابق (١/ ٢٠٩) بتصرف يسير.
(٥) ابن النديم: الفهرست، ص (٢٧٥).
(٦) انظر: رجال الحلي، ص (٨٣) القسم الأول، باب سليم.
(٧) انظر: رجال ابن داود، ص (٢٤٩)، باب سليم بن قيس الهلالي.
(٨) يقول الدكتور القفاري: «رجعت في البحث عنه إلى مصادر كثيرة من كتب أهل السنة فلم أجد له ذكرًا؛ فلم أجده مثلًا في تاريخ الطبري كما يظهر من خلال فهرس الأعلام الذي وضعه أبو الفضل إبراهيم [١٣٢٢ - ١٤٠١هـ]، وكذلك تاريخ ابن الأثير كما يبدو من فهارسه التي وضعها إحسان عباس [ت. ١٤٢٤هـ] (أو سيف الدين الكاتب)، وليس له ذكر في شذرات الذهب لابن العماد الحنبلي [١٠٣٢ - ١٠٨٩هـ]، والبداية والنهاية لابن كثير، وطبقات ابن سعد، ولا في مجموعة من كتب الرجال مثل: لسان الميزان، أو التاريخ الكبير والصغير للبخاري، أو تهذيب الكمال للمِزِّي [٦٥٤ - ٧٤٢هـ] .. إلخ مع أنه مؤلف أول كتاب في الإسلام، ولاحقه الحجاج لقتله .. إلخ، فمن برز في هذين الاتجاهين الفكري، والسياسي يستبعد أن يُنسى، ونسيانه دليل على أن ما تقوله الشيعة عنه مجرد دعوى، فقد يكون شخصية خيالية، أو نكرة من النكرات» اهـ[د. ناصر القفاري: أصول مذهب الشيعة الإمامية الاثني عشرية (١/ ٢٢٢) الهامش].

<<  <   >  >>