للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- - {بين أوربانية الماضي والحاضر} - -

«نحن في حرب أفكار ...» [دونالد رامسفلد]

في مارس من عام ١٠٩٥م، أرسل الإمپراطور البيزنطي ألكسيوس كومنينوس الأول Alexios Komnenos I (١٠٨١ - ١١١٨ م) رسله إلى المجمع الكنسي في پياسنزا Piacenza، يستنجدون بالبابا أوربان الثاني Pope Urban II (١٠٤٢ - ١٠٩٩ م)، ويطلبون منه إمدادهم بجيش من الجند المرتزقة لدفع المد الإسلامي السلجوقي الذي يهدد الإمپراطورية .. «وكان الإسلام وقتها قد ظهر بدينه وثقافته، وغلب على رقعة ممتدة من حدود الصين إلى الهند، إلى أقصى الأندلس، إلى قلب إفريقيا، وأنشأ حضارة نبيلة متماسكة كاملة، بعد أن ردَّ النصرانية وأخرجها من الأرض، وحصرها في الرقعة الشمالية التي فيها هذا الهمج الهامج الذي كان يعيش فيما يعرف اليوم باسم أوروپا» (١).

فلما تدبر أوربان الأمر وجده جد خطير؛ فمن جهة كانت الإمپراطورية الرومانية قد انقسمت إلى شرقية وغربية، وتلتها في ذلك الكنائس، أرثوذكسية شرقية وكاثوليكية غربية، ومن جهة ثانية وجد الفتح الإسلامي يحاصره ويهدد البقية الباقية من ملكه، ومن جهة ثالثة وجد صراعات داخلية عنيفة على السلطة بين القيادة البابوية الدينية والإمپراطورية العَلْمانية، ووجد كذلك صراعات قبلية طاحنة يقودها الهمج الچرمان من النورمان والقوط والأنجلوساكسون وغيرهم.

«... فالمسيحية أصبحت في هذا الوقت منقسمة متصدعة بشكل لا يدعو لأي أمل، ولم تعد المهارة الديپلوماسية كافية لرأب الصدع، ولهذا رأى أوربان أنه من الضروري القيام بمغامرة مثيرة على مستوى عالمي، تضع العالم المسيحي بأجمعه أمام عمل وهدف عام مشترك ... فأعلن أوربان أنه ينوي عقد جلسة استثنائية في كليرمون Clermont يعلن بها للعالم المسيحي بأجمعه خطة يحتفظ بسريتها حتى ذلك الحين، ولكنها ستخدم في إعادة الوحدة المسيحية إلى سالف عهدها ...


(١) محمود شاكر: رسالة في الطريق إلى ثقافتنا، ص (٣٦) بتصرف يسير.

<<  <   >  >>