للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العقلية. وهكذا بدأ العالم الإسلامي يدخل تدريجيًا في مجال المصالح والاهتمامات الثقافية للأوروپيين.

يقول إدوارد سعيد (١٩٣٥ - ٢٠٠٣م) (١): «الاهتمام الأوروپي بالإسلام لم ينشأ من حب الاستطلاع، بل من الخوف من منافس للمسيحية يتميز بوحدته وصلابته وبقوته الجبارة ثقافيًا وعسكريًا (٢). وكان أوائل الباحثين الأوروپيين في الإسلام على نحو ما بيَّنه مؤرخون كثيرون، من أرباب المجادلات القروسطية (٣) الذين كتبوا ما كتبوه لدرء خطر جحافل المسلمين التي تهددهم وخطر الارتداد عن الدين المسيحي. وقد استمرت هذه (التوليفة) من الخوف والعداء، بصورة ما، حتى يومنا هذا، سواء في الاهتمام العلمي أو غير العلمي بالإسلام» (٤).

ويقول المستشرق الروسي ألكسي چورافسكي (٥): «يمكن القول إن التصورات الغربية المعاصرة حول دين المسلمين لم تتكون وترتسم في صفحة بيضاء خالية، وإنما انعكست في مرآة قديمة مشوهة، إذ إن سكان أوروپاالمعاصرة ورثوا عن أسلافهم من القرون الوسطى مجموعة عريضة وراسخة من الأفكار حول الإسلام، التي كانت تتغير تدريجيًا مظاهرها الخارجية فقط، تبعًا لتغير الظروف في أوروپاذاتها، وتبعًا لطبيعة علاقاتها ومواقفها المستجدة نسبيًا مع البلدان الإسلامية وثقافاتها الحديثة» اهـ.


(١) إدوارد سعيد: الاستشراق، المفاهيم الغربية للشرق، تذييل ط. ١٩٩٥م، ص (٥٢٠). Edward Said: Orientalism, Western Concepts of the Orient.
(٢) وقد نخالفه فيما يرى، إلا أن يكون قصده أن (عامل الخوف) هو المبتدأ، اقترن به بعد ذلك (عامل حب الاطلاع).
(٣) نسبة إلى القرون الوسطى.
(٤) لم يكن هذا الاهتمام بالإسلام - بطبيعة الحال - ذا مظهر واحد، ولم يتسم بسمة شمولية للفئات الاجتماعية الأوروپية كافة. بل يمكن القول إن الموقف تجاه الإسلام كان متناقضًا ومتباينًا من فئة اجتماعية إلى أخرى. ونظرًا لصعوبة التوفيق في هذه الدراسة - أو في غيرها - بين الصفات الفردية وبين السياق الفكري العام المهيمن، فعملنا هنا هو محاولة لتسليط الضوء على هذا الأخير، ذلك لكونه المحرك الرئيسي لتلك الحرب الغربية الشرسة المعلنة اليوم لاقتلاع بنيان الإسلام من القواعد.
(٥) ألكسي چورافسكي: الإسلام والمسيحية، ص (٥٩).

<<  <   >  >>