للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولكن بدلًا من أن تعلن فترة ما بين الحربين العالميتين الأولى والثانية ولادة نظام دولي جديد، قائم على المصالح المتبادلة والأمن المستقر الدائم، تبدلت سريعًا مواقع القوة في العالم، وحل محل التوازن التقليدي السابق، توازن الرعب، والصراع الأيديولوچي الذي أشعل الحروب الإقليمية في ساحات أخرى من العالم الثالث، وبعيدًا هذه المرة عن الساحة الأوروپية التي خيمت عليها الحرب الباردة لأكثر من نصف قرن، ولكن من دون أن تطلق طلقة واحدة (١).

يقول صامويل هنتنجتون (١٩٢٧ - ٢٠٠٨م) (٢): «في السنين ما بين ١٩١٠ إلى ١٩٤٥م انقسمت أوروپاعلى نفسها وانهمكت في مشاكلها الداخلية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ولكن في الأربعينات، بدأ الطور الأمريكي من الهيمنة الغربية؛ ففي سنة ١٩٤٥م هيمنت أمريكا بوقت قصير على ما يضاهي تقريبًا ما استحوذت عليه جميع القوى المتحالفة في سنة ١٩١٨م، وأدى التحرر من الاستعمار الذي أعقب الحرب إلى التقليل أكثر من التأثير الأوروپي، لكنه لم يقلل من تأثير الولايات المتحدة التي استبدلت بالإمپراطورية الإقليمية التقليدية استعمارًا جديدًا يتخطى حدود الدولة».

ويقول روبرت كيجن في دراسته «الاستفزازية والعميقة» - كما يصفها السيناتور چون ماكين John McCain - (٣) : «وبعد قرنين اثنين تبادل الأمريكيون والأوروپيون موقعيهما ونظرتيهما. وكان سبب ذلك - جزئيًا - هو أن معادلة القوة شهدت خلال ذينك القرنين وبخاصة في العقود الأخيرة تحولًا دراميًا مثيرًا: حين كانت الولايات المتحدة


(١) د. ناظم الجاسور: تأثير الخلافات الأمريكية-الأوروپية على قضايا الأمة العربية، حقبة ما بعد نهاية الحرب الباردة، ص (٥٩).
(٢) صامويل هنتنجتون: صراع الحضارات وإعادة بناء النظام الدولي، ص (١٠٧). Samuel P. Huntington: The Clash of Civilizations and the Remaking of World Order
(٣) روبرت كيجن: عن الفردوس والقوة، ص (١٥ - ٦).

<<  <   >  >>