(٢) فائدة: يتبين باستعراض تاريخ الحضارات الأوروپية أن الصراع مع الآخر هو الفكرة المحورية والقاسم المشترك بين الماضي والحاضر. فقد أكدت أساطير الإغريق أصحاب أقدم حضارة أوروپية أن الصراع كان هو شغلهم الشاغل، وكأنهم لا يعرفون غير القتال والتعارك، وحتى عندما تحدثوا عن الحب كان عن اختطاف زوجة أحد الملوك، والذي ترتبت عليه حرب طروادة الشهيرة. ومع أفول نجم الإغريق وظهور الرومان تطورت فكرة الصراع إلى الأسوأ؛ إذ قامت الحضارة الرومانية على التوسع والسيطرة على الشعوب الأخرى. كانت الإمپراطورية الرومانية أول من اخترع فكرة الاستعمار، ولقد شنوا الحروب وقامت إمپراطوريتهم على استعباد الشعوب الأخرى وحكمها بالقوة والقهر. واشتهر عنهم الظلم والاضطهاد لغيرهم من الأمم، بل كانت الإبادة من صنعهم أيضًا. وعندما اعتنق الرومان النصرانية حدث تحول في المسيحية الغربية؛ إذ تغيرت الديانة التي كانت في أصلها داعية للسلام إلى ديانة تبرر العدوان وتمنح المبرر الأخلاقي للحرب الاستباقية. فقد استطاع (القديس) أوغسطين Augustine of Hippo (٣٥٤ - ٤٣٠ م) أن يدمج بين السلطة المهيمنة والدين في القرن الخامس الميلادي، وأعطى الحق للإمپراطور في شن الحرب بدعوى تحقيق السلام وأطلق مصطلح (الحرب العادلة Just War) الذي أصبح فيما بعد الدافع وراء حروب الغرب تجاه العالم من يومها وحتى الآن. وقد وجد أوغسطين المسوغ لتعذيب واضطهاد المخالفين في العقيدة في إنجيل لوقا ١٤: ٢٣ في قوله: «فأجابه السيد أخرُج إلى الطرقات والدروب وألزم الناس بالدخول حتى يمتلئ بيتي». [للتوسع، انظر، عامر عبد المنعم: الغرب أصل الصراع، وفاضل سليمان: أقباط مسلمون قبل محمد - صلى الله عليه وسلم -].