فكونوا من المتيقّظين، وانظروا مصارع السَّابقين، ومصائر الغابرين، واعتبروا بالرَّاحلين، فكم وقعت أعينكم على محتضر، وقبر حفر، وإنسان قبر، أما لكم مُعْتَبر؟ "كَفَى بِالمَوْتِ وَاعِظًا يَا عُمَر"!
بالله رَبِّكُمْ ألم تروا إلى تلك الدِّيار الغابرة، كيف غدت؟! صارت أطلالًا بالية ومنازل خاوية وديارًا خالية، مضى أهلها في الأرض ترابًا، وأضحى قوم في أعقابهم عظامًا.
يُرَاعُ النَّاسُ إذا حملوا إلى القبور جنازة، وهم يعلمون أنَّهم لن يتلبَّثوا بعدها إلّا يسيرًا، فإذا نفضوا أيديهم من التُّراب وأسلموها، رَتَعُوا في نعمة زمنًا، ثمَّ لحقوا بها وصاروا في برزخ إلى يوم يبعثون، سادِمين نادمين على كلِّ ساعة لم يتزوَّدوا فيها من التَّقوى.
لله دَرُّ الدَّافنين لأحبَّة أما راعهم مثوى من الأرض ضيِّق؟! ما لهم لم تعِظْهم دموعٌ تستهلّ على من يغيَّب في ضريح، أو تهزّهم قلوب تحنو على من يوسَّد في حفرة عفراء تعاف نفوس وردها؟!
لا جَرَمَ أنَّ حسرة الإنسان تعظم حين تحضره الوفاة؛ لأجل ساعة لم ينفقها في طاعة الله تعالى، وَلَا غَرْوَ أنَّ فرحته تعظم لما قدَّمت يداه من تُقَىً لله؛ فَنَفْسَك نَفْسَك فاغنمها، شمِّر هُدِيت عن ساق واتَّزر، وشدَّ مئزرك مِنْ قبل التّنَدُّمِ وَالتَّحَسُّرِ على ما فرَّطت في جنب الله تعالى، واضْرَعْ إليه مبتهلًا، {وَقُلْ رَبِّ اغْفِرْ وَارْحَمْ وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ (١١٨)} [المؤمنون].