للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ألا بُعْدًا لمَنْ أنفق عمره في الشَّهوات ومقارفة السَّيِّئات، لا يخشى أن يحيق به سوء مكره، ولا يخاف أن تصيبه المَثُلَاتُ! ألا تَعْسًا ونُكْسًا لمن غَدَا وَرَاحَ ضاربًا فِي غمرة اللَّهْو يَعْمَهُ في ضلالته، وقد فتَّح أَبْوَابَ شَرٍّ لِنَفْسِهِ، ولم يَسُؤْه سُوءُ عمله، ولَمْ يَشِنْهُ شَيْن فعله، بل رآه حسنًا، مغترًّا بعمر قصير، غافلًا عن أجل ومصير، متى يعوّض هذا الخاسِرُ الدَّابِرُ ما أنفقه، ويدرك ما ضيَّعه، ويستدرك على نفسه ما سبقها الصّالحون إليه؟! فارجع قبل الحسرات، وقبل أن يقولوا مات.

وتعجب حين تعلم أنَّ من النَّاس من يأتيه الموت واعظًا فلا ينتفع، ويأتيه الشّيب نذيرًا فلا يرتدع! {أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ ... (٨)} [فاطر]، {أَفَمَنْ كَانَ عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ وَاتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ (١٤)} [محمّد].

هذا وطوبى لمن استجاب لله تعالى والرَّسول - صلى الله عليه وسلم -، ووضع عن نفسه أَوْزَارَهَا، وحَطَّ عنها أَثْقَالَها.

أُخَيّ، هذا كتاب وسمته بالصَّحيح المأثور، أردت أن أطَيِّب بِهِ الأَنْفُسَ عَنْ مَوْتَاها، لأنَّه لا يَعْرَى أحدٌ من مصيبة بحميم أو فاجعة بكريم، فلَعَلَّهُ يأْسُو الكَلْم، ويرمّ الثَّلْم، ويجلو الهمَّ، ويداوي السّقم، ويدمل الجرح، ويطفئ الجمر، ويأخذ باليد، ويحسر الكرب، ويُذلّ الخطب.

أحسبه مُتَّعَظًا ناجعًا، وذخرًا نافعًا، وجوابًا شافيًا، وزادًا وافيًا، وبرهانًا عذبًا نميرًا صافيًا، لمن أراد النّجاة وثواب الدَّار الآخرة.

فيه من الحُجَّة ما يحمل على المَحَجَّةِ، ومن العظات ما يملأ القلوب رغبة

<<  <   >  >>