للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وبهذا عبَّر ابنُ العربيِّ في سورة الأحزاب من "أحكام القرآن"، وهو على طريقة المتكلِّمِين.

والثابتُ في الحديثِ المرفوعِ: أنَّ المقامَ المحمودَ هو الشفاعةُ العُظْمَى (١).

وكثيرٌ مِن الأئمَّةِ: يذكُرُونَ الاستواءَ، ويذكُرُونَ معناه في اللغةِ؛ كالجلوسِ، والاستقرارِ، والتمكُّنِ في الشيءِ؛ كما فعَلَ ابنُ عبد البَرِّ (٢)، وغيرُهُ (٣)، ويريدونَ مِن ذلك: بيانَ الحقائقِ، والابعادَ عن المجازِ؛ وليس التمثيلَ؛ تعالى اللهُ!

وربَّما نَفَى بعضُ الأئمَّةِ مثلَ هذه الألفاظِ؛ كالجلوسِ؛ لِمَا يرى لها مِن لوازمَ تليقُ بالمخلوق؛ كابنِ رشدٍ في "البيان والتحصيل" (٤)؛ فقد جعَلَ الجلوسَ عليه، والتحيُّزَ فيه، والمماسَّةَ، مستحيلًا في صفاتِ اللهِ تعالى؛ لأنه مِن التكييفِ الذي هو مِن صفاتِ المخلوق، مع أنَّ ابنَ رشدٍ لم يَمنَعْ أن يكونَ الاستواءُ مِن صفاتِ اللهِ الفعليَّة.

وهذه اللوازمُ والأعراضُ التي ذكَرَها لم تَرِدْ في الشريعة، وإنما لمَّا لَزِمَتْ للجواهِر، نفاها عن الخالق، ولو تُرِكَتْ تلك اللوازمُ، وسُكِتَ عنها لسكوتِ الشارعِ، وأُثبِتَ ما جاء في الوحي وفسَّرَهُ السلفُ-: لكان أسلَمَ وأعلَمَ وأحكَم.

وتعبيرُ بعضِ السلَفِ بالجلوسِ والقعودِ (٥): مِن بابِ إثباتِ


(١) البخاري (٧٤٣٩)، ومسلم (١٨٣) من حديث أبي سعيد.
(٢) "التمهيد" (٧/ ١٣١).
(٣) "تأويل مختلف الحديث" (ص ٢٧١).
(٤) "البيان والتحصيل" (١٦/ ٣٦٨ - ٣٦٩).
(٥) انظر: "إثباتَ الحَدِّ للهِ -عز وجل-، وبأنه قاعِدٌ وجالسٌ على عرشِهِ" للدَّشْتيّ.

<<  <   >  >>