وحمَّلُوا الأدلَّةَ ما لا تَحتمِل، وهي أدلَّةٌ عليهم لا لهم، أدلَّةٌ للحقِّ الذي يقولُ به السلفُ؛ فالله تعالى خَلَقَ الناسَ وأفعالَهم؛ فهو خالقُ كلِّ شيءٍ، وجعَلَ لهم مشيئةً تدُلُّ على اختيارِهم وتصرُّفِهم، ولكنْ بعدَ إذنِ الله ومشيئتِه، فلو كان للكواكبِ مشيئةٌ كمشيئةِ الناس، لَذَكَرَها، وهم يَجعَلُونَ الناسَ كالكواكبِ وسائرِ الجَمَادات؛ فلماذا خَصَّ اللهُ الناسَ بالمشيئةِ، ولم يَخُصَّ الكواكبَ بمِثْلِها إلا لتمايُزٍ بينهم، وقد قال الله مضيفًا فعلَ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- بالرميِ إليه:{وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}[الأنفال: ١٧]؛ فأثبَتَ لنبيِّهِ رميًا واختيارًا:{إِذْ رَمَيْتَ}، وأثبَتَ لنفسِهِ القُدْرةَ والمشيئةَ المُمضِيَةَ لذلك:{وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى}.
فقولُه:{لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ}[التكوير: ٢٨]، إبطالٌ لقولِ الجَبْريَّة، وقولُه:{وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ}[التكوير: ٢٩]، إبطالٌ لقولِ القَدَريَّة؛ فكيف لعبدٍ أن يَفعَلَ ما لا يَشاؤُهُ اللهُ؟ ! لا يَفعَلُ أحدٌ في الكونِ شيئًا بغيرِ عِلْمِهِ وإِذْنِه.
وأدلَّةُ الجَبْريَّةِ هي أدلَّةٌ يُعرَفُ بها فسادُ قولِ القَدَريَّة، وأدلَّةُ القَدَريَّةِ هي أدلَّةٌ يُعرَفُ بها فسادُ قولِ الجَبْريَّة، وكثيرًا ما يُعرَفُ فسادُ قولِ طائفةٍ