للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

كلامه- ويفسر لهم؛ حتى يفهموا مراد الله جل وعلا من الآي التي أنزلها الله عليه، ثم لا يفعل ذلك رسول رب العالمين وسيد المرسلن، بل بأن عن مراد الله جل وعلا في الآي، وفسر لأمته ما يهم الحاجة إليه وهو سننه -صلى الله عليه وسلم- فمن تتبع السنن حفظها وأحكمها؛ فقد عرف تفسير كلام الله جل وعلا وأغناه الله تعالى عن الكلبي وذويه. وما لم يبين رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لأمته معاني الآي التي أنزلت عليه مع أمر الله جل وعلا له بذلك، وجاز له ذلك، كان لمن بعده من أمته أجوز، وترك التفسير لما تركه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحرى، ومن أعظم الدليل على أن الله جل وعلا لم يرد بقوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} القرآنَ كلَّه: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- ترك من الكتاب متشابها من الآي، وآيات ليس فيها أحكام، فلم يبين كيفيتها لأمته، فلما فعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دَلَّ ذلك على أن المراد من قوله: {لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ} كان بعض القرآن لا الكل" (١).

ويلزم من قال إن النبي -صلى الله عليه وسلم- فسَّر جميع ألفاظ القرآن -كما فهمه بعض المعاصرين- أن جزءا كبيرا من سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في بيان القرآن أضاعه الصحابة أو من بعدهم، أو كتموه عن الأمة إما كتمان رواية أصلا، أو كتمان نسبة بأن كانوا يفسرون القرآن بما سمعوه من النبي -صلى الله عليه وسلم- ثم لا ينسبونه إليه، ولا يخفى شناعة هذه اللوازم وبشاعتها (٢).


(١) المجروحين ٢: ٢٥٥ - ٢٥٦.
(٢) من العجب ما قرره محمد إبراهيم سليم في كتابه (مرشد المفسرين والمحدثين) حيث قال ص ٣: "النبي -صلى الله عليه وسلم- بيَّن القرآن كله للصحابة, ولاسيما ما أشكل عليهم، أو خفي عليهم المراد منه، ولكن لم ينقل إلينا عنه -صلى الله عليه وسلم- كل ما يتعلق بآيات القرآن، وربما كان السبب في هذا أنهم كانوا لفهمهم الكثير من آياته بمقتضى فطرتهم اللغوية, وعلمهم بالشريعة؛ رأوا ألا حاجة لنقل ما يتعلق بتفسير القرآن، ظنا منهم أن من يأتي بعدهم فهو مثلهم أو يدانيهم، وأيضا فإن اشتغالهم بالجهاد والفتوحات ونشر الإسلام، لم يدع لهم وقتا للتفرغ للعلم والرواية".

<<  <  ج: ص:  >  >>