للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ: "مَنْ تَرَكَ دَيْنًا أوْ ضَيَاعًا فإلِىَّ" (٤٤) قَالَ النَّضْرُ (٤٥): الضَّيَاعُ: الْعِيالُ. وَقَالَ الْقُتَيْبِىُّ: هُوَ (٤٦) مَصْدَرُ ضَاعَ يَضِيغُ ضَيَاعًا، أرادَ: مَنْ تَرَك عِيَالًا صِغَارًا أطْفَالًا، جَاءَ بِالْمَصْدَرِ نَائِبًا عَن الاسْمِ، كَمَا يَقُولُ: مَنْ مَاتَ وَتَرَكَ فَقْرًا، أَيْ: فُقَرَاءَ، فَإذَا كَسَرْتَ الضَّادَ، فَهُوَ جَمْعُ ضَائِعٍ، مِثْلُ جَائِع وَجِيَاعٍ (٤٧).

سمِّىَ (٤٨) المنْبَرُ مِنْبَرًا؛ لعُلُوِّه وَاْرتِفَاعِهِ. وَالنَّبْرُ: الرَّفْعُ، وَمنْهُ سُمِّىَ الْهَمْزُ نبْرًا. وَنَبَرتُ (٤٩) الْحَرْفَ هَمَزْتُهُ.

قَوْلُهُ: "الْمُسْتَرَاحُ" (٥٠) هِىَ الدَّرَجَةُ الَّتِى يَقْعُدُ عَلَيْهَا الْخَطِيبُ لِيَسْتَرِيحَ. وَهُوَ مُسْتَفْعَلٌ مِنَ الرَّاحَةِ. وَالْمَعْنَى: أَنَّهُ يَسْتَرِيحُ مِنْ تَعَبِ صُعُودِهِ عَلَى المِنْبَرِ، وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ نَفَسُهُ. وَأَصْمْلُهُ: مُسْتَرْوَحٌ، فَنُقِلَتْ فَتْحَةُ الْوَاوِ إِلَى الرَّاءِ قَبْلَهَا، ثُمَّ قُلِبَت الْوَاوُ أَلِفًا.

قَوْلُه: "مِنْ غَيْرِ تَغَنِّ وَلَا تَمْطِيطٍ" (٥١) التَّغَنِّى: مَعْرُوفٌ، وَهُوَ تَحْسِينُ الصَّوْتِ بِمَا يُطْرِبُ، وَالتَّمْطِيطُ: التَّمْدِيدُ، يُقَالُ: مَطَّهُ يَمُطُّهُ: إِذَا مَدَّهُ وَتَمَطَّطَ، أَيْ: تَمَدَّدَ (٥٢).

قَوْلُهُ: "تَنَفَّسْتُ" (٥٣) أَيْ: تَمَهَّلْتُ. قَالَ الْجَوْهَرِىُّ (٥٤): يُقَالُ: فِي هَذَا الْأمْرِ نُفْسَة، أَيْ: مُهْلَة، وَأنْتَ فِي نَفَسٍ مِنْ أمْرِكَ، أَيْ: فِي سَعَةٍ (٥٥).

قَوْلُهُ: "مَئِنَّةٌ مِنْ فِقْهِهِ" قَالَ أَبُو زَيْدٍ: أيْ مَخْلَقَةٌ (٥٦)، وَكُلُّ شَيْىءٍ دَلَّكَ عَلَى شَيْىء فَهُوَ مَئِنَّةٌ لَهُ، وَأَنْشَدَ (٥٧):

وَمَنْزِلٍ مِنْ هَوَى جُمْلٍ نَزَلْتُ بِهِ ... مَئِنَّةٌ مِنْ مَرَاصِيدِ الْمَنِيَّاتِ

وَيُقَالُ: هَذَا الْمَسْجِدُ مَئِنَّةٌ لِلْفُقَهَاءِ، وَأَنْتَ مَئِنَّتُنَا وَعُمْدَتُنَا. وَحَقِيقَتُهُ: أَنَّهَا "مَفْعِلَةٌ" مِنْ مَعْنَى "إنَّ" التَّأْكِيدِيَّةِ، غَيْرُ مُشْتَقَّةٍ مِنْ لَفْظِهَا؛ لأنَّ الْحُرُوفَ لَا يُشْتَقُّ مِنْهَا، وَإنَّمَا ضُمِّنَتْ حُرُوفَ تَرْكِيبِهَا ذَكَرَهُ فِي اْلفَائِقِ (٥٨). وَكَذَا قَوْلُ الْجَوْهَرِىِّ (٥٩) هِىَ "مَفْعِلَةٌ" مِنْ إِنَّ الْمَكْسُورَةِ اْلمُشَدَّدَةِ، كَمَا تَقُولُ: مَعْسَاةٌ مِنْ كَذَا وَمَظِنَّة، وَهُوَ مِبْىٌّ مِنْ عَسَى وَظَنَّ (٦٠).

وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ (٦١): يَعْنِى: أَنَّ هَذَا مِمَّا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى فِقْهِ الرَّجُلِ. قَالَ أَبُو مَنْصُور (٦٢): جَعَلَ أَبُو


(٤٤) من خطبته - صلى الله عليه وسلم - وانظر صحيح مسلم ٢/ ٥٩٢ والترمذى ٨/ ٢٣٩ وسنن ابن ماجة ٢/ ٨٠٧.
(٤٥) تهذيب اللغة ٣/ ٧٢.
(٤٦) ع: هذا.
(٤٧) كذا في النهاية ٣/ ١٠٨ واللسان (ضيع ٢٦٢٥).
(٤٨) من قوله في المهذب ١/ ١١٢: في الخطبة: وسننها أن تكون على منبر.
(٤٩) ع: ونبرة الحرف همزته. والمثبت من خ والصحاح.
(٥٠) في المهذب ١/ ١١٢: ويجلس على الدرجة التى تلى المستراح.
(٥١) في المهذب ١/ ١١٢: قال الشافعى رحمه الله: ويكون كلامه مترسلا مبينا من غير تغن ولا تمطيط؛ لأنَّ ذلك أحسن وأبلغ.
(٥٢) الصحاح و (مطط).
(٥٣) في المهذب ١/ ١١٢: روى أن عثمان (ر) خطب وأوجز فقيل له: لو كنت تنفست، فقالت: سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول: قصر خطبة الرجل: مئنة من فقهة.
(٥٤) الصحاح (نفس).
(٥٥) الصحاح (وسع).
(٥٦) ع: أنه لخليق. والمثبت من خ والفائق ١/ ٦٣ والنقل عنه.
(٥٧) من غير نسبة في الفائق واللسان (أنن ١٥٥) ورواية اللسان (المئنات).
(٥٨) ١/ ٦٣.
(٥٩) في الصحاح (مأن).
(٦٠) ذكر الجوهرى هذا على أن الميم زائدة، وسيأتى له أن الميم أصلّية.
(٦١) في غريب الحديث ٤/ ٦١ وعبارته: قال أبو زيد: قوله "مئنة" كقولك: مخلقة لذلك ومجدرة لذلك ومحراة، ونحو ذلك. قال الأصمعى: قد سألنى شعبة عن هذا، فقلت: "مئنة" هى علامة لذاك خليق لذاك. قال أبو عبيد: يعنى أن هذا مما يعرف به فقه الرَّجل ويستدل به عليه، وكذلك كلّ شيىء دلك على شىء فهو مئنة له.
(٦٢) الأزهرى في تهذيب اللغة ١٥/ ١٠٢.