لما شرفني الحاج محمد علي بيضون حفظه اللَّه ورعاه، وأشار إليَّ أن أعمل في هذا السفر العظيم .. أحجمت قليلا في البداية، لما أعلم من قلة بضاعتي، وشُحِّ زادي في هذا الميدان، ولِمَا أعلم من صعوبة متن الألفية لدى الناس، وإحجامهم عن النهل من لذيذ شرابه، فللأسف كما قال صاحب الجوهرة:
لكن مِنَ التَّطْويلِ كلّتِ الهِمَمُ ... فَصَارَ فِيهِ الاخْتِصَارُ مُلتَزم
فقد كلّت هِمَم المسلمين اليوم عن الاهتمام بلغة قرآنهم، ودستور دينهم، الذي من دون علمهم بلغته لن يفقهوا شيئًا منه، ولن يميزوا بين حلاله وحرامه، كيف لا!! والمولى عز وجل يقول:{إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، ويقول:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ}، فعبثًا يحاول أن يفهم القرآن أو أن يلج إلى أحكامه مَن فقد شيئًا من ذلك، ولم يتعلّم العربية، ويكتشف أسرارها، ويغُصْ في معانيها!!
وقد كان أشياخنا يسمون هذه العلوم: علوم الآلة، وبوابة الدخول للعلوم الشرعية.
ثم استخرت اللَّه في إنجازه، فجاءت الإشارة بالبدء، فشمرت عن ساعد الجد، وركبت الذلول والصعاب للخوض في عبابه، وللنيل من عذب شرابه، كيف لا!! وأنا الذي بحمد اللَّه وفضله قد حفظت الألفية منذ كنت في الثانية عشر من عمري، وقرأت شرحها على الأشياخ الكرام، فقد أجازني فضيلة الشيخ الإمام، والحبر الهمام، والعالم الرباني، فضيلة الشيخ المرحوم عبد الرزاق الحلبي في شرح ابن عقيل على الألفية، وفي كتب أخرى.