فبينما هم كذلك، إذ جاء ربُّ العالمين ـ سبحانه ـ لفصل القضاء، فأشرقت الأرض بنوره، وتميَّز المجرمون من المؤمنين، ونُصِبَ الميزانُ، وأُحْضِر الدِّيوانُ، واسْتُدْعِي بالشهود، وشهدت يومئذ الأيدي والألْسُن والأَرْجُل والجلود.
ولا تزال الخصومة بين يدي الله ـ سبحانه ـ حتى يختصم الروح والجسد، فيقول الجسد: إنما كنت ميتًا لا أَعْقِل ولا أسمع ولا أُبصر، وأنتِ كنتِ السميعةَ المبصرة العاقلةَ، وكنت تصرِّفِينَنِي حيث أردتِ، فتقول الرُّوح: وأنت الذي فعلتَ وباشرتَ المعصية وبطشتَ!
فيُرسِل الله ـ سبحانه ـ إليهما ملَكًا يحكم بينهما، فيقول: مثَلُكُمَا مَثَلُ بصير مقعد، وأعمى صحيح، دخلا بستانًا، فقال المقعد: أنا أرى الثمار ولا أستطيع أن أقوم إليها، وقال الأعمى: أنا أستطيع القيام ولكن لا أرى شيئًا، فقال له المقعد: احملني حتى أصل إلى ذلك، ففعلا، فعلى من تكون العقوبة؟
فيقولان: عليهما، فيقول: فكذلك أنتما.
فيحكم الله ـ سبحانه ـ بين عباده بحكمه الذي يَحمَدُه عليه جميعُ أهل السماوات والأرض، وكلُّ بَرٍّ وفاجر، ومؤمن وكافر، {وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ}[النحل/ ١١١]. {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة/ ٧ ـ ٨].