كلّ لسان حيّ ينصبغ في كل عصر بصبغ خاصّ يمتاز به. وأصحّ حجة للسان العربّي المعاصر لهذه الوثائق السياسية القرآن المجيد المحفوظ إلى الآن من كل اختلاق وتحريف حتى في رسم خطه. ولولا رواج الرواية بالمعنى لألحقنا الحديث النبوي كله بهذا القبيل.
لم يزل المسلمون من ناطقي الضاد قديما وحديثا يهتمون بالقرآن. ومع هذا نجد بعض الكلمات القرآنية قد بطل استعمالها أو تغير مفهومها؛ وإذن فالوثائق التي نجد فيها مثل هذه الكلمات نميل إلى تصديق صحّتها، فكلمة «حق» - مثلا- قد استعملت (في الوثيقة ٩٠) في معنى «الزكاة» بدل معنى «الصحة» أو «ما يستحقه الإنسان» ، وكذلك كلمة «كتاب» نجدها (في الوثيقة ١) في مفهوم «الفرض» بدل «التصنيف» أو «المكتوب» ، وكذلك كلمة «غلب»(في الوثيقة ٢٩٤) في معنى «المغلوبية» بدل «الغالبية» ، وكذلك كلمة «ذكر»(في الوثيقة ٣١٦) في معنى «الصلاة» بدل «ما يذكر الإنسان» ، إلى غير ذلك من الكلمات القرآنية.
ومن جهة أخرى لا يلزم أن يكون كل مكتوب مشتمل على غريب اللغة أو قديمها صحيحا. فربما نرى من تاريخ الأدب العربي أن «المتلغويين» وضعوا عبارات بألفاظ غريبة شاذّة تفاخرا بمعرفتهم بالغريب. وقد أهمل ابن الأثير [ (راجع أدناه الوثيقة ١٦٨) زيادة الطبعة الرابعة] نقل مكتوب منسوب الى النبي صلى الله عليه وسلم وقال: «تركنا ذكره لانّ رواته نقلوه بألفاظ غريبة وبدّلوها وصحّفوها» . وهذا هو السبب الباعث عندي لقلّة إمكان صحة الوثيقة ١٣٣.
نظن أنّ أسلوب الإنشاء العربي في ذلك العصر كان سلسا فصيحا جامعا مانعا بريئا من الإطناب والتكلّف. ولهذا إذا رأينا في بعض المكاتبات المنسوبة إلى ذلك العصر الصناعات اللفظية التي لا طائل تحتها زادت شبهتنا في صحتها. من ذلك مثلا نصوص المراسلة مع المقوقس على ما رواه الواقديّ (الوثيقتين ٥١، ٥٢) والقسم الأول من الوثيقة ٩١، وبعكس ذلك نجد الوثيقة