الحمد لله والصلاة والسلام على نبيه محمد المصطفى وعلى آله وصحبه ذوي المجد والعلى.
وبعد: فلا شك أنّ العهد النبويّ- على صاحبه الصلاة والسلام- كان عهدا ذا نتائج هامة في تاريخ العالم السياسي والديني والاقتصادي وغير ذلك. ولما كان غير ممكن أن نفهم الحالة السياسية في عصر من العصور إلا بمراجعة الوثائق الرسمية التي تتعلق بذلك العصر- وهي من أجلّ المآخذ للحائق التاريخية- كان من الضروري أن نجمع الوثائق المتعلقة بالعصر النبوي حتى يتسنى لنا أن نفهمه فهما صحيحا.
لا يخفى أن قريش مكة لم يكن لهم قبل الإسلام تجربة واسعة لسياسة المدن، ولم يتفق لهم أن يجتمعوا تحت لواء حكومة ذات تمدّن وثقافة بحيث يرجى أن تكون لهم نظم سياسية مكتوبة. ولسنا ننكر أنهم حرّروا أحيانا بعض العهود والمحالفات بينهم وبين القبائل المجاورة، إلّا أن ذلك كان في دائرة محدودة. فلما جاء الإسلام اجتمعت القوى المنتشرة في جزيرة العرب على مركز واحد، وتشكّلت في دولة ذات نظام وإدارات منضبطة، وقامت بينها وبين الممالك المجاورة- كفارس وبيزنطة ومستعمراتها- علاقات سياسية، ولم يمض على تلك الدولة عشرة أعوام أخر إلا وقد تسلطت على بلاد العجم والعراق وسوريا وفلسطين ومصر وغيرها، فكانت هذه الحالة تدعو إلى كتابة «كتب»