وليس الأمر كما يظنّ بل هو شيء يوجد في بحر المشرق وببلاد الروم وبأقاصير إسفاقس أيضا من بلاد القيروان، وأكثرها يكون بمقربة من بلاد القيروان، وأكثرها بمقربة من قصر زياد وبمقربة قيودية أيضا. يوجد في صدفة كبيرة على قدر يد الإنسان، أعلاها عريض وطرفها دقيق إلى الطول ما هو كأنه فم طائر، ظاهرها خشن، فيه زوايا طويلة ناتئة، منها دقاق ومنها ما يكون في غلظ أقلام الكتاب، فارغة الداخل.
ولون الصدفة كلون اللؤلؤ. وداخلها لونه أصفر مليح المنظر إلى الحمرة ما هو. وفي داخل الصدفة حيوان مؤلف من أشياء تشبه الأعصاب والكبد الأبيض والأسود كنبات اللوبيا، قائم غير معوجّ المصير. وفي الطرف من المصير مما يلي الطرف الحادّ من الصدفة يكون الصوف المعروف. خلقة عجيبة للخلّاق العظيم سبحانه وتعالى. وأخبرني بعض أهل الجهة التي بها يصاد، أنّ حيوانا خزفيا من حيوان البحر مسلّط على هذه الصدفة يرصدها في الأقاصير. إذا بدا منها هذا الصوف التقمه منها وحده ولا يتعرض لغير ذلك» .
وقال الإصطخريّ في مسالك الممالك (ص ٤٢) ما يأتي:
«وتقع بشنترين في وقت من السنة من البحر دابة تحتك بحجارة على شط البحر فيقع منها وبر في لين الخزّ، لونه لون الذهب لا يغادر منه شيئا. وهو عزيز قليل فيجمع وتنسج منه ثياب فتتلون في اليوم ألوانا. ويحجر عليها ملوك بني أمية ولا ينقل إلّا سرّا. وتزيد قيمة الثوب على ألف دينار لعزّته وحسنه» . وقال المستشرق دخوية في حاشية الإصطخريّ:
إن اسم هذا الحيوان البحري «أبو قلمون» .
ومثل هذا الكلام يدلّ على قرب علائق العرب بالبحارة ودقة نظرهم وطول سفرهم، فإنّ صوف البحر لا يوجد إلا بعيدا