للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لما بين حال المؤمنين والكافرين قال للنبي صلى الله عليه وسلم: فاثبت على ما أنت عليه من التوحيد {وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ} ولذنوب أمتك. {وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ} في الدنيا، {وَمَثْواكُمْ} في القبور. وقيل: والله يعلم أحوالكم وتقلبكم في معايشكم ومتاجركم {وَمَثْواكُمْ} في الجنة والنار، ومن كان موصوفا بالعلم بجميع المعلومات حقيق بأن يتقى ويخاف عقابه، وأن يستغفر ويسترحم. وقد قدم الله العلم في قوله: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلهَ إِلاَّ اللهُ} على الأعمال المذكورة بعد العلم؛ قال: {اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} الآية (١) وقال: {وَاعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ} (٢) قدم العلم وجعل العمل بعده. كان المؤمنون يتمنون الإذن لهم في القتال فلما أذن لهم جبن بعضهم عن الكفار، وقال بعضهم: {رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ} (٣) وقال ها هنا: {فَإِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ مُحْكَمَةٌ وَذُكِرَ فِيهَا الْقِتالُ} الآية، فصارت أعينهم تدور دورانا مثل دوران أعين الذي يغشى عليه من الموت. {الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ} من لم يكن ثابت (٢٦٣ /ب) القدم في الإسلام. {فَأَوْلى لَهُمْ} بمعنى: ولي لهم، وهي أفعل من الولي، وهو القرب، وهو دعاء عليهم بأن يليهم المكروه. {طاعَةٌ وَقَوْلٌ مَعْرُوفٌ} كلام مستأنف، أي: خير لهم. وقيل: هي حكاية قولهم، أي: قالوا طاعة وقول معروف، بمعنى: أمرنا طاعة وقول معروف. {فَإِذا عَزَمَ الْأَمْرُ} أي: جد. والعزم والجد لأصحاب الأمر، وإنما يسندان إلى الأمر إسنادا مجازيا، وهو كقوله: {إِنَّ ذلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ} (٤) {فَلَوْ صَدَقُوا اللهَ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ} فيما زعموا من الحرص على الجهاد، أو: فلو صدقوا في إيمانهم، وواطأت قلوبهم فيه ألسنتهم. {فَهَلْ عَسَيْتُمْ} وقد نقل الكلام من الغيبة إلى الخطاب التفاتا ومعنى هل عسيتم أن تفسدوا أي: هل يتوقع منكم الإفساد، والله عالم بما كان وما يكون فمعناه: فهل يرتجى منكم إذا علم باطن أحوالكم ورخاوة عقيدتكم أن يكون هؤلاء حقيقيون بذلك. {أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحامَكُمْ} حرصا على الدنيا وعلى الملك.

وقيل: إن أعرضتم وتوليتم عن دين رسول الله صلى الله عليه وسلم وسنته أن ترجعوا إلى ما كنتم عليه في الجاهلية من الإفساد في الأرض بالتغاور وقطع الأرحام بمقاتلة بعضكم بعضا ووأد البنات.


(١) سورة الحديد، الآية (٢٠).
(٢) سورة الأنفال، الآية (٤١).
(٣) سورة النساء، الآية (٧٧).
(٤) سورة لقمان، الآية (١٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>