للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقولك: عجبت من زيد وكلامه في قضية كذا، وفائدة هذا الأسلوب الدلالة على قوة الاختصاص، وأن التقدم بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم تقدم بين يدي الله. وعن مسروق:

دخلت على عائشة في اليوم الذي يشك فيه؛ فقالت للجارية: اسقيه عسلا، فقلت: إني صائم، فقالت: قد نهى الله عن صوم هذا اليوم، وفيه نزلت (١).

وروي أن ناسا ذبحوا يوم الأضحى قبل الصلاة فأمرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يعيدوا ذبحا آخر (٢). وهذا مذهب أبي حنيفة رحمه الله وعند الشافعي رحمه الله: يجوز إذا مضى قدر الصلاة (٣). وعن الحسن أيضا: لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أتته الوفود من الآفاق وأكثروا عليه المسائل فنهوا أن يبتدئوه بالمسألة حتى يكون هو المبتدئ (٤). وعن قتادة: ذكر لنا أن ناسا كانوا يقولون: لو أنزل في كذا وكذا لكان حسنا؛ فنهوا عن ذلك؛ فنزلت الآية (٥).

وقيل: هي عامة في كل قول وفعل إذا جرت مسألة في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يتكلم فيها أحد قبل رسول الله صلى الله عليه وسلم.

{وَاتَّقُوا اللهَ} فإنكم إذا اتقيتموه عاقتكم التقوى عن التقدمة المنهي عنها.

{يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (٢)}

وإن حدثتموه وهو ساكت فاجعلوا صوتكم كصوت المشاور، وإن حدثكم وهو رافع صوته فلا تبلغوا برفع صوتكم رفع صوته، بل لا بد من مراعاة علو صوت النبي صلى الله عليه وسلم وأعاد النداء عليهم استدعاء لتيقظهم، وتكرير تنبيه على الأغنياء بما كلفوه من ذلك.

وقيل: المعنى: لا تنادوه باسمه فتقولوا: يا محمد، وخاطبوه بالنبوة فقولوا: يا أيها


(١) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٣٥٠) وقال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٣٢٤): غريب.
(٢) رواه الطبري في تفسيره (٢٦/ ١١٧)، ونسبه السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٥٤٧) لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر عن الحسن رضي الله عنه. ونسبه الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٣٢٥) لعبد الرزاق في تفسيره.
(٣) ينظر: الهداية شرح البداية (٤/ ٧٢)، بدائع الصنائع للكاساني (٥/ ٦٢)، المجموع للنووي (٨/ ٢٨٢، ٢٨٣)، الإقناع للشربيني (٢/ ٥٩١).
(٤) ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار (٣/ ٣٢٥) عن الحسن وقال: غريب.
(٥) ذكره السيوطي في الدر المنثور (٧/ ٥٤٦) ونسبه لعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم.

<<  <  ج: ص:  >  >>