للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الرسول، يا أيها النبي، فلما نزلت قال أبو بكر: والله لا أكلمك إلا كأخي السرار حتى ألقى الله (١) وعن عمر مثل ذلك لا يسمعه النبي صلى الله عليه وسلم حتى يستفهمه (٢) وكان أبو بكر رضي الله عنه إذا قدم على النبي صلى الله عليه وسلم وفد بعث إليهم من يعلمهم كيف يسلمون عليه (٣). وليس المراد بالنهي عن رفع الصوت رفعه بالاستهانة والاستخفاف؛ فإن ذلك كفر، والمخاطبون مؤمنون، وإنما المراد صوت هو في نفسه والمسموع من جرسه غير مناسب لما يهاب به (٢٦٩ /أ) العظماء، ويوقر به الكبراء، فيتكلف الغض منه، وليس المراد أيضا النهي عن الجهر عند حضور مصلحة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم للعباس عمه: "أصرخ بالناس" (٤).وكان العباس صيتا يروى أنه صاح مرة فأسقطت الحوامل (٥). وفيه يقول الشاعر [من المنسرح]:

زجر أبي عروة السّباع إذا ... أشفق أن يختلطن بالغنم (٦)

والمراد نهيهم عما كانوا يعتادونه من رفع الأصوات. قيل: نزلت في ثابت بن قيس بن شماس، وكان في سمعه ثقل، وكان جهوري الصوت فكان إذا كلم النبي صلى الله عليه وسلم رفع صوته (٧). والحبوط: مأخوذ من قولهم: حبطت الإبل: إذا أكثرت من أكل الخضير فانتفخت أجوافها، وربما هلكت.

وفي الحديث: "إن مما ينبت الربيع ما يقتل حبطا أو يلم" (٨).

وقد دلت الآية على أمرين عظيمين: أحدهما: أن في أعمال المؤمنين ما يقتضي حبوط العمل الحسن، وأنه ربما ظن أن الشيء حسن وهو عند الله يحبط؛ فعليه أن يتوقي كمن يمر في طريق كثير الشوك؛ فهو يتوقى إصابته.


(١) رواه الحاكم في المستدرك (٣/ ٧٤)، والواحدي في أسباب النزول (ص: ٤٠٣) رقم (٧٥٦) وصححه الحاكم وتعقبه الذهبي فقال: حصين واه. وهو حصين بن عمر الأحمسي وهو متروك كما قال الهيثمي في مجمع الزوائد (٧/ ١١١).
(٢) رواه البخاري رقم (٤٤٦٧)، والترمذي رقم (٣١٨٩).
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٣٥٢).
(٤ و ٥) ذكره الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار التي في الكشاف (٣/ ٣٢٧).
(٦) تقدم تخريجه في تفسير سورة الصافات.
(٧) رواه البخاري رقم (٣٣٤٤)، ومسلم رقم (١٧٠).
(٨) رواه البخاري رقم (١٣٧٢)، ومسلم رقم (١٧٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>