للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ (٣) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ (٤)}

{اِمْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى} من قولك: امتحن فلان لأمر كذا؛ فهو مضطلع به وغير وان عنه، والمعنى أنهم صبروا على التقوى وتحمل مشاقها، أو وضع الامتحان موضع المعرفة؛ لأن الامتحان سبب المعرفة واللام كالتي في قولك: أنت لهذا الأمر، أي: كائن، وقول الشاعر [من الرجز]:

أنت لها أحمد من بين البشر (١) ...

وهي مع معمولها منصوبة على الحال، أو ضرب الله قلوبهم بأنواع المحن والتكاليف الشاقة لأجل التقوى. وقيل: خلصها للتقوى؛ من قولهم: امتحن الذهب إذا ألقاه ليذهب خبثه. قيل: نزلت هذه الآية في أبي بكر وعمر وغضهما أصواتهما حتى صارا كأخي السرار، وفي تنكير المغفرة والأجر ما يدل على أنه لا يقدر قدره، وتنبيه على شرف الشيخين رضي الله عنهما، وارتضاء لما صنعاه من غض الصوت.

والوراء: الجهة التي يواريها شخصك، سواء كانت من خلف، أو من قدام؛ فالنهي وقع عن مناداته وهو في الدار؛ كما ينادي الأجلاف بعضهم بعضا. والحجرة: القطعة من الأرض المحجورة بحاجز، وحظيرة الإبل تسمى الحجرة، وهي فعلة بمعنى مفعولة، وجمع الحجرات يدل على أنهم تفرقوا حول حجر النبي صلى الله عليه وسلم (٢٦٩ /ب) فهذا يناديه من حجرة، وذاك يناديه من أخرى، ويحتمل أنهم اجتمعوا فنادوه من حجرة ثم اجتمعوا فنادوه من أخرى، ويجوز أن يكون جمع الحجرات إجلالا للنبي صلى الله عليه وسلم والفعل يجوز أن يتولاه بعضهم، وكان الباقون راضين، فلذلك أضيف إلى جميعهم؛ كقوله: {وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً} (٢) {وَإِذْ قَتَلْتُمْ}


(١) هذا صدر بيت للحرمازي، أو لعبد الله بن الأعور بن قراد في مدح المنذر بن الجارود، وعجزه:
داهية الدهر وصماء الغبر، ينظر في: تاريخ مدينة دمشق لأبي القاسم بن هبة الله (٥٦/ ٥٠٣)، الكشاف للزمخشري (٣/ ١٩٢)، لسان العرب (غبر) ويروى: أنت لها منذر من بين البشر.
(٢) سورة البقرة، الآية (٦١).

<<  <  ج: ص:  >  >>