للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

{وَما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ} فأعذب من لا يستحق. الباء في قوله: {بِالْوَعِيدِ} مثلها في قوله {تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ} (١) إذا قرئت بضم التاء الأولى (٢) ويجوز أن تكون للتعدية إذا جعلت تقدم مطاوعا لمعنى قدم، ويجوز أن يكون الفعل واقعا على الجملة؛ وهي قوله: (ما يبدل القول وما أنا بظلم) ويكون قوله: {بِالْوَعِيدِ} حالا، أي: قدمت متلبسا بالوعيد قوله: {وَقَدْ قَدَّمْتُ} جملة وقعت حالا من {تَخْتَصِمُوا} مضارع و {وَقَدْ قَدَّمْتُ} ماض، وهذه الحال لا يمكن اجتماعها مع صاحب الحال، ومعناه: لا تختصموا وقد صح عندكم أني قدمت إليكم بالوعيد. {وَما أَنَا بِظَلاّمٍ} نفي للمبالغة، ولا يلزم من نفي المبالغة نفي أصل الفعل؟ وجوابه من وجوه:

أحدها: أن يكون" ظالما وظلاما "بمعنى واحد على لغة قوم. والثاني: أن معناه: لو عاقبت من لا يستحق العقاب لكنت بليغ الظلم. والثالث: أنه جمع لجميع العبيد؛ تقول: أغلقت الباب وغلقت الأبواب، ولا تقول: غلقت الباب؛ كذلك هاهنا لو قال: وما أنا بظلام لعبد لورد السؤال. وانتصاب اليوم بظلام، أو بإضمار فعل نحو اذكر وغيره، أو ب‍ {نُفِخَ فِي الصُّورِ}.

{يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ} وعلى هذا يشار بذلك إلى {يَوْمَ نَقُولُ} ولا يقدر حذف مضاف.

وسؤال جهنم وجوابها من باب المجاز الذي يراد به تقوية المعنى في النفس، وفيه وجهان:

أحدهما: أنها تمتلئ حتى لا يبقى فيها سعة لمكان واحد مع اتساعها وتباعد أطرافها.

والثاني: أنها من السعة بحيث يدخلها من يدخلها وفيها موضع المزيد، ويجوز أن يكون {هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} استكثار لمن دخلها أو غضبا على الكفار والعصاة، والمزيد إما مصدر كالمحيد، وإما اسم مفعول كالمبيع. {غَيْرَ بَعِيدٍ} نصب على الظرف، أي: مكانا قريبا، أو على الحال، أو على حذف الموصوف، أي: شيئا غير بعيد، ومعناه التوكيد، أي: قريب غير بعيد.

{هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ (٣٢) مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ (٣٣) اُدْخُلُوها بِسَلامٍ ذلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ (٣٤) لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَلَدَيْنا مَزِيدٌ (٣٥) وَكَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ}


(١) سورة المؤمنون، الآية (٢٠).
(٢) قرأ بها ابن كثير وأبو عمرو ورويس وابن محيصن والجحدري وروح والحسن. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٦/ ٤٠١)، الحجة لابن خالويه (ص: ٢٥٦)، السبعة لابن مجاهد (ص: ٤٤٥)، الكشاف للزمخشري (٣/ ٢٩)، المحتسب لابن جني (٢/ ٨٨)، النشر لابن الجزري (٢/ ٣٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>