للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأعمال بتوفيق الله وتيسيره ولم يقصد بها الرياء والمفاخرة - فليس من الذين نهوا عن تزكية أنفسهم؛ لأن المسرة بالطاعة طاعة، وذكرها شكر.

{أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلّى (٣٣)} {وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤)} [النجم] روي أن عثمان رضي الله عنه كان ينفق ماله في الخير، فقال له عبد الله بن سعد بن أبي سرح - وهو أخوه من الرضاعة -: يوشك ألا يبقى لك شيء، فقال عثمان: إن لي ذنوبا وخطايا، وإني أطلب بما أصنع رضا الله وأرجو عفوه، فقال عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه عثمان وأشهد عليه وأمسك عن العطاء؛ فنزلت (١) ومعنى {تَوَلّى} فارق المركز يوم أحد، فعاد عثمان إلى أحسن من ذلك وأجمل. {فَهُوَ يَرى} فهو يعلم ويعتقد أن ما قال له أخوه من احتمال أوزاره حق.

{وَفّى} قرئ مخففا ومشددة (٢) (٢٨١ /أ) والتشديد مبالغة في الوفاء؛ كقوله تعالى:

{فَأَتَمَّهُنَّ} (٣) وأطلق وفاء ولم يذكر له مفعولا ليعمّ كل وفاء، هذا معتقد الزمخشري (٤) والصواب أن المطلق لا عموم له، وهو كثيرا ما يكرر هذا المعنى؛ ومن ذلك: تبليغه الرسالة واستقلاله بأعباء النبوة والصبر على ذبح ولده، وعلى نار نمرود، وقيامه بأضيافه، وخدمته إياهم بنفسه، وأنه كان يخرج كل يوم من بيته فيمشي فرسخا لعله يجد ضيفا فإن وافقه أكرمه وإلا نوى الصوم.

وعن الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفى به (٥). وقيل: كان بين نوح وإبراهيم يؤخذ الرجل بجريرة أخيه، أو بجريرة قريبه، ويقتل بابنه وأبيه وعمه وخاله، والزوج بامرأته والعبد بسيده، فأول من خالفهم في ذلك إبراهيم.


(١) ذكره الواحدي في أسباب النزول (ص: ٤١٦) رقم (٧٧١) ونسبه لابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك، وذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٢٧).
(٢) قرأ عامة القراء بالتشديد وقرأ أبو أمامة الباهلي وابن محيصن وابن السميقع وسعيد بن جبير "وفى" بالتخفيف. تنظر في: البحر المحيط لأبي حيان (٨/ ١٦٧)، تفسير القرطبي (١٧/ ١١٣)، الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢١٢)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٣٣)، المحتسب لابن جني (٢/ ٢٩٤).
(٣) سورة البقرة، الآية (٢٠٤).
(٤) ينظر: الكشاف للزمخشري (٤/ ٤٢٧).
(٥) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٢٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>