للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول وعبدوا الثاني، هذا وقد جاءت الأوامر من الله تعالى والأدلة القاطعة على أنه لا يشفع أحد عنده إلا بإذنه. {أَمْ لِلْإِنْسانِ} أو هل جعل الله لكل أحد أن يعبد ما تمناه؟ {فَلِلّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى} فهو يحكم فيهما بما يشاء. وكثير من الملائكة في السماوات لا يحصى عددهم لا تنفع شفاعتهم لأحد إلا بعد أن يأذن الله لهم في الشفاعة له {لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى} يقولون: أنثى بني فلان، وإذا قالوا: الملائكة بنات الله؛ فقد سموا كل واحدة منهن أنثى. {إِنْ يَتَّبِعُونَ} في دعوى إلهيتها {إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي} في أصول الدين والعقائد {شَيْئاً} لكنه يغني في مسائل الفروع؛ لأن الصحابة عملوا بالقياس وهو ظن.

{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا (٢٩) ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى (٣٠) وَلِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى (٣١) الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى (٣٢) أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى (٣٤) أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى (٣٥) أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفّى (٣٧)}

{فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى عَنْ ذِكْرِنا وَلَمْ يُرِدْ إِلاَّ الْحَياةَ الدُّنْيا} {ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ} وهو حذقهم في التجارات وتقليب المكاسب. {بِما عَمِلُوا} بعملهم أو بالذي عملوا. {كَبائِرَ الْإِثْمِ} هو ما قبح منها، ثم أعاد ذكر الفواحش تخصيصا بعد التعميم للمبالغة والتعظيم. وقيل: كبير الإثم: الشرك بالله. {اللَّمَمَ} ما قل وصغر، ومنه: المس من الجنون؛ تقول: ألم بالمكان: إذا قل لبثه فيه، وألم بالطعام: إذا قل منه أكله. وقيل: {اللَّمَمَ} ما لم يذكر الله له عقابا. وقيل: عادة التصيد الحين بعد الحين. {إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ} {إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ} (١) {فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ} فلا تنسبوها إلى زكاء العمل، أو: فلا تثنوا عليها واهضموها؛ فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولا وآخرا قبل أن يخرجكم من صلب آدم، وقبل أن يخرجكم من بطون أمهاتكم. وقيل: كان قوم يعملون بالطاعات ثم يقولون: صلاتنا وصيامنا، فنزلت (٢). وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب والرياء، فأما من اعتقد أن هذه


(١) سورة النساء، الآية (١١٦).
(٢) ذكره الزمخشري في الكشاف (٤/ ٤٢٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>