للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{يَوْمَ يَقُولُ} بدل من {يَوْمَ تَرَى} {اُنْظُرُونا} انتظرونا؛ لأنهم يسرع بهم إلى الجنة كالبروق الخاطفة على ركائب تسرع بهم، والأشقياء مشاة. وقيل: {اُنْظُرُونا} انظروا إلينا؛ لأنهم إذا نظروا إليهم استقبلوهم بوجوههم، واستنارت الطريق للمنافقين، وجعل اتئادهم في المشي ليلحقهم المنافقون أنظارا. {نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ} نصب منه وذلك أن يلحقوا بهم فيستضيئوا بهم.

{اِرْجِعُوا وَراءَكُمْ} طرد لهم وتهكم بهم، أي: ارجعوا إلى الموقف حيث أعطينا هذا النور فالتمسوه هنالك، أو ارجعوا إلى الدنيا فالتمسوا نورا بتحصيل سببه وهو الإيمان، أو ارجعوا خائبين، وقد علموا أنه لا نور لهم؛ وإنما هو طرد وإقنات.

{فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ} بين المؤمنين والمنافقين. {بِسُورٍ} أي: بحائط. قيل: ذلك السور:

الأعراف، لذلك السور {بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ} أي: ما يخص المؤمنين {ظَهْرِهِ} ما بدا للمنافقين {مِنْ قِبَلِهِ} أي: من جهته، وهو الظلمة ينادى المنافقون المؤمنين فيقولون: {أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ} في الدنيا في الجهاد والصلوات؟ فيقول المؤمنون: كنتم معنا {وَلكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ} أوقعتموها في الفتنة {وَتَرَبَّصْتُمْ} بالموت الدوائر {وَارْتَبْتُمْ} شككتم في الدين الحق {وَغَرَّتْكُمُ الْأَمانِيُّ} طول العمر والطمع {حَتّى جاءَ أَمْرُ} الموت و {الْغَرُورُ} الشيطان. {فِدْيَةٌ} ما يفتدى به {مَوْلاكُمْ} أي: أولى بكم، وحقيقة الكلام: النار هي أولى بكم أن تكونوا فيها، وهو كقولهم: مئنة.

وفي الحديث:" إن طول صلاة الرجل وقصر خطبته مئنة من فقهه " (١).أي: محل يقال فيه: إنه لفقيه، ومنه قوله: {يُغاثُوا بِماءٍ كَالْمُهْلِ} (٢) فسماه إغاثة. وقيل: تتولاكم جهنم؛ كما توليتم في الدنيا أعمال الفجور.

{أَلَمْ يَأْنِ} ألم يحن، يقال: أنى الشيء يأنى إناء؛ إذا جاء وقته. قيل: كانوا بمكة مجدبين مضيقا عليهم في ذات اليد، فلما هاجروا إلى المدينة اتسع لهم العيش ففتروا عما كانوا عليه؛


(١) رواه مسلم رقم (٣٧١٤)، وأحمد في المسند رقم (١٧٥٩٨) ومئنة: كقولك: مخلقة لذلك، ومجدرة لذلك ومحراة ونحو ذلك. قال الأصمعي: قد سألني شعبة عن هذا، فقلت: مئنة يقول: هي علامة لذاك خليق لذاك. قال أبو عبيد: يعني أن هذا مما يعرف به فقه الرجل ويستدل به عليه وكذلك كل شيء ذلك على شيء فهو مئنة له. ينظر: غريب الحديث لابن سلام (٤/ ٦١).
(٢) سورة الكهف، الآية (٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>