للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لِحَياتِي} (١) أي: في زمن حياتي، ومنه قولك: جئتك لوقت كذا؛ أي: أخرج الذين كفروا عند أول الحشر وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام، وهذا أول حشرهم، والحشر الثاني إجلاء عمر أهل خيبر.

وقيل: آخر حشرهم يوم القيامة؛ لأن المحشر يكون بالشام.

وعن عكرمة: من شك أن المحشر يكون بالشام فليقرأ هذه الآية (٢). وقيل: لأول حشر وقع معهم؛ فإنهم لم يقاتلوا قبل ذلك. {ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا} لقوة حصونهم وكثرة لعدد والآلات عندهم. {وَظَنُّوا} أن حصونهم تنجيهم من عذاب الله. {فَأَتاهُمُ} أمر {اللهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ} حتى خربوا ديارهم بأيديهم؛ فإنهم صالحوا على أن يحمل كل ثلاثة أبيات حمل جمل؛ فكانوا يجدون الخشبة الحسنة مدهونة فلا يسهل عليهم تخليتها للمسلمين، ولا يجدون ما يحملونها عليه، فيكسرها اليهودي صاحبها؛ حسدا للمسلمين أن ينالوها، ويكسرها المسلم إرغاما للكافر وهي معنى قوله: {يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ} وقوله: {مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا} هو قذف قلوبهم، وتمكين المسلمين من هدم بنيانهم، وأوقف المنافقين الذين حلفوا لليهود على نصرتهم؛ ألقى فى قلوبهم الجبن؛ فكفوا عن قتال المسلمين ونصرة اليهود، وهذا كله لم يكن في حسابهم. وقوله: {وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ} أبلغ من قول القائل: وظنوا أن حصونهم تمنعهم؛ فإن ذلك الظن يضعف الحصون عن المنع، والذي في هذه الآية يدل على أنهم ظنوا في نفوسهم القدرة والقوة على دفع المسلمين. و {الرُّعْبَ} الخوف الذي ترعد منه الفرائص. والقذف: الإلقاء بقوة، ومنه قيل للأسد إنه مقذف؛ أي: قذف باللحم قذفا، لتداخل أعضائه. والتخريب والإخراب:

الإفساد بالنقض، والخربة: الفساد كانوا يخربون بواطنها، والمسلمون ظواهرها؛ لما أراد الله (٢٩٥ /ب) من استئصال شأفتهم، وألا تبقى في المدينة لهم دار، ولا يوجد فيها منهم ديار.

وقيل: تخريب بيوتهم بأيدي المؤمنين أن المؤمنين كانوا هم السبب، والفعل ينسب إلى المتسبب فيه والمعين عليه؛ كقولك: ضرب الأمير اللص. {فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ} من نصر الله المؤمنين وتمكينهم من تخريب ديارهم. وقيل: وعد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يملكهم الله بلاد


(١) سورة الفجر، الآية (٢٤).
(٢) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٩٢) لعبد بن حميد عن عكرمة، ونسبه في (٨/ ٨٩) للبزار وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه والبيهقي في البعث عن ابن عباس رضي الله عنهما.

<<  <  ج: ص:  >  >>