للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكفار وأموالهم وحصونهم وإراحة المسلمين من مجاورتهم.

{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ (٣) ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللهَ وَرَسُولَهُ وَمَنْ يُشَاقِّ اللهَ فَإِنَّ اللهَ شَدِيدُ الْعِقابِ (٤) ما قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوها قائِمَةً عَلى أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ (٥)}

{وَلَوْلا أَنْ كَتَبَ اللهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ} وعوقبوا بالبعد عن ديارهم لما قنع لهم بالجلاء وكفى بالجلاء عن الأوطان عقوبة.

{لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا} بالقتل؛ كما فعل بإخوانهم بني قريظة؛ يعني: إن نجوا من عذاب الدنيا لم ينجوا من عذاب الآخرة. {مِنْ لِينَةٍ} بيان ل‍ {ما قَطَعْتُمْ} ومحل {ما} نصب ب‍ {قَطَعْتُمْ} والتقدير: أي شيء قطعتم، وأنث الضمير العائد على {ما} في قوله: {أَوْ تَرَكْتُمُوها} لأنه في معنى اللينة، واللينة: النخلة، من الألوان التي هي ضروب النخل، ما خلا العجوة والبرنية، وهما من أجود النخيل، وياؤها منقلبة عن واو لانكسار ما قبلها؛ كثياب ومياه. وقيل: اللينة: الكريمة؛ كأنهم اشتقوها من اللين وجمعها لين.

وقرئ {أُصُولِها فَبِإِذْنِ اللهِ} (١) أي: قطعها بإذن الله {وَلِيُخْزِيَ الْفاسِقِينَ} ليذلهم ويغيظهم؛ فإنهم قالوا: إن محمدا كان ينهانا عن الفساد في الأرض، فما بال النخيل تقطع وهي لم تذنب، فنزلت هذه الآية (٢). وفيها دليل على جواز الاجتهاد من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه نهاهم عن قطع النخيل، ثم أمر به وأذن فيه، واحتج به من يقول إن كل مجتهد مصيب (٣).


(١) قرأ بها عبد الله بن مسعود والأعمش وزيد بن علي.
تنظر في: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٩٤)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٥٠١).
(٢) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٩٧) للبيهقي في الدلائل عن مقاتل بن حيان.
(٣) قال الإمام النووي في شرح صحيح مسلم (١٢/ ١٤): "اختلف العلماء في أن كل مجتهد مصيب أم المصيب واحد وهو من وافق الحكم الذي عند الله تعالى والآخر مخطئ لا إثم عليه لعذره، والأصح عند الشافعي وأصحابه أن المصيب واحد، وقد احتجت الطائفتان بهذا الحديث، وأما الأولون القائلون كل مجتهد مصيب فقالوا قد جعل للمجتهد أجر فلولا إصابته لم يكن له أجر. وأما الآخرون فقالوا: سماه مخطئا ولو كان مصيبا لم يسمه مخطئا وأما الأجر فإنه حصل له على تعبه في الاجتهاد. قال الأولون: إنما سماه مخطئا لأنه محمول على من أخطأ النص أو اجتهد فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد كالمجمع عليه وغيره. -

<<  <  ج: ص:  >  >>