للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله: {وَلَئِنْ نَصَرُوهُمْ} أي: على طريق الفرض والتقدير بعد قوله: {لَئِنْ أُخْرِجُوا} الآية - فيه دليل على أن الله تعالى يعلم ما لا يكون؛ أن لو كان كيف يكون. قوله:

{لَيُوَلُّنَّ الْأَدْبارَ} أي: المنافقون يولون مدبرين واليهود المحاربون أيضا منهزمون. قوله:

{رَهْبَةً} مصدر للفعل المبني على ما لم يسم فاعله؛ كأنه قيل: لأنتم أشد مرهوبية. قوله:

{فِي صُدُورِهِمْ} تلويح بنفاقهم؛ لأنهم يظهرون أنهم يخافون الله، وأنتم في صدورهم أهيب من خوف الله. فإن قيل: فيه دليل على أنهم كانوا يخافون الله، ولكن خوفهم منكم أشد، فجوابه: أن الخوف الذي يظهرونه من الله أضعف من الخوف الذي يخافونه منكم. {قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ} لا يعلمون قدرة الله وعظمته حتى يخشوه حق خشيته. {لا يُقاتِلُونَكُمْ} لا يقدرون على مقاتلتكم. {جَمِيعاً} مجتمعين يعني: اليهود والمنافقين، إلا كائنين {فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} بالخنادق والدروب {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ} يعني: إذا اقتتل بعضهم مع بعض ظهرت الجلادة والقوة، فإذا قاتلوكم حصل الرعب في قلوبهم. {وَقُلُوبُهُمْ شَتّى} متفرقة، يعني: أن بينهم إحنا وعداوة فلا يتعاضدون حق (٢٩٧ /أ) التعاضد، وهذا تشجيع لقلوب المؤمنين وحث على قتالهم.

{لا يَعْقِلُونَ} أن تشتيت القلوب يوقع الوهن وقلة الثبات. {كَمَثَلِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَرِيباً} أي: مثلهم كمثل أهل بدر في زمان قريب. فإن قلت: بم انتصب {قَرِيباً؟}

قلت: ب‍ {كَمَثَلِ} على كوجود مثل أهل بدر. {وَبالَ أَمْرِهِمْ} سوء عاقبته، بمعنى:

ذاقوا عذاب القتل في الدنيا {وَلَهُمْ} في الآخرة عذاب النار. مثّل المنافقين في إغرائهم اليهود وخذلانهم إياهم وقت الحاجة بحال الشيطان {إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ} ثم تبرأ منه عند الحاجة، والمراد به قوله لقريش يوم بدر: {لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ} الآية (١) وقرئ: "خالدان فيها" (٢) على أنه خبر إنّ.

كرر الأمر بالتقوى إما توكيدا، وإما لأن الأول في أداء الطاعات، والثاني في اجتناب المعاصي، والسياق يدل عليه.


(١) سورة الأنفال، الآية (٤٨).
(٢) قرأ بها ابن مسعود والأعمش وزيد بن علي وابن أبي عبلة.
ينظر: الدر المصون للسمين الحلبي (٦/ ٢٩٩)، الكشاف للزمخشري (٤/ ٥٠٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>