للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هم وسط ترضى الأنام بحكمهم ... إذا نزلت إحدى الليالي بمعظم (١)

وقوله تعالى: {أُمَّةً وَسَطاً} (٢) أي: خيارا. {لَوْلا تُسَبِّحُونَ} لولا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم. {قالَ أَوْسَطُهُمْ} عند ذلك: اذكروا الله وتوجهوا إليه توجها كليا؛ فلو كنتم عظمتم الله حق تعظيمه، ولم تنووا حرمان المساكين لم يصبكم ما أصابكم. وزعم كثير من الناس أن الله أبدلهم جنة تسمى الحيوان يحمل البعير منها عنقودا. وقيل: {لَوْلا تُسَبِّحُونَ} لولا تصلون {فَلَوْلا أَنَّهُ كانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ} (٣) أي: المصلين.

{قالُوا سُبْحانَ رَبِّنا إِنّا كُنّا ظالِمِينَ (٢٩) فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ (٣٠) قالُوا يا وَيْلَنا إِنّا كُنّا طاغِينَ (٣١) عَسى رَبُّنا أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها إِنّا إِلى رَبِّنا راغِبُونَ (٣٢) كَذلِكَ الْعَذابُ وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ (٣٣) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ (٤٣) فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ (٤٤) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ (٤٥) أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ (٤٦)}

كان صناديد قريش يرون وفور حظهم من الدنيا وقلة حظوظ المسلمين منها، فإذا سمعوا بحديث الآخرة وما وعد الله المسلمين من ثوابها قال فريق منهم بإنكار الآخرة والتكذيب وقال آخرون: إن كانت فسيكون لنا منها الحظ الأوفر كما هو لنا في الدنيا؛ فقال الله تعالى:

أفنحيف في الحكم فنجعل {الْمُسْلِمِينَ} المتصدقين الصابرين على أذى الكفار {كَالْمُجْرِمِينَ} ثم التفت فقال: {ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ} هذا الحكم الأعوج؛ كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم، أو جاءكم من الله كتاب بأنكم تخيرون في الآخرة في المنازل في قصور الجنة وثوابها.


(١) البيت لزهير بن أبي سلمى، ينظر في: البحر المحيط لأبي حيان (١/ ٤١٨)، تفسير الطبري (٢/ ٦)، تفسير القرطبي (٢/ ١٠٤)، الدر المصون للسمين الحلبي (١/ ٣٩٣).
(٢) سورة البقرة، الآية (١٤٣).
(٣) سورة الصافات، الآية (١٤٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>