للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لأن سؤالهم تعجيل العذاب إنما كان استهزاء؛ فأمر بالصبر، وقد جعل قوله: {فَاصْبِرْ} من صلة {واقِعٍ} أي: يقع {فِي يَوْمٍ} طويل {مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ} إما أن يكون استطالة له لشدة هوله على الكفار، أو هو حقيقة؛ لذلك قيل فيه: خمسون موطنا، كل موطن ألف سنة، وما قدر ذلك على المؤمن إلا كما بين الظهر والعصر، وتتمة الكلام في سورة السجدة.

{إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً (٦) وَنَراهُ قَرِيباً (٧) يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ (٨) وَتَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ (٩) وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً (١٠) يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ (١١) وَصاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ (١٢) وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ (١٣) وَمَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ (١٤) كَلاّ إِنَّها لَظى (١٥) نَزّاعَةً لِلشَّوى (١٦) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلّى (١٧) وَجَمَعَ فَأَوْعى (١٨)}

الضمير في {يَرَوْنَهُ} عائد إلى العذاب، أو ليوم القيامة؛ أي: يستبعدونه على جهة الحالة.

{وَنَراهُ قَرِيباً} أي: هو عندنا قريب، أي: من الإنسان، وكذا {بَعِيداً}.

نصب {يَوْمَ} ب‍ {قَرِيباً} أي: يمكن ولا يتعذر، ويجوز أن ينتصب ب‍ {دافِعٌ} أو {يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ} يجري كيت وكيت، أو هو بدل عن {فِي يَوْمٍ} عند من علقه ب‍ "دافع".

{كَالْمُهْلِ} كدردي الزيت. وقيل: كالفضة المذابة في تلونها.

العهن: الصوف المصبوغ ألوانآ؛ لأن الجبال مختلفة الألوان؛ {وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ} (١) فإذا بست وطويت في الجو أشبهت العهن إذا طيرته الريح. {وَلا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً} أي: لا يلتمس منه أن يخفف عنه من حمله. {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} (٢). {يُبَصَّرُونَهُمْ} يبصر يومئذ الأعمى والأكمه، ولا يمنعه من الرؤية عدم الإبصار؛ بل هو يبصره ويتحققه، وهو كلام مستأنف، وإنما جمع بضمير الفعل والمفعول؛ لأن المراد أن هذا الجنس يبصر كل واحد منهم بالآخر.

{وَفَصِيلَتِهِ} عشيرته الأدنون الذين فصل عنهم، و {ثُمَّ} لاستبعاد الإنجاء، يعني: يود لو كان هؤلاء جميعا تحت يده وحكمه، وبذلهم في فداء نفسه {ثُمَّ يُنْجِيهِ} ذلك، وهيهات أن ينجيه. {كَلاّ} ردع وزجر كلا لا ينجيه ذلك (٣١٢ /ب) من العذاب، ثم قال: {إِنَّها لَظى}


(١) سورة فاطر، الآية (٢٧).
(٢) سورة عبس، الآية (٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>