للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتهدوا فيه حتى انتفخت أقدامهم واصفرت ألوانهم وظهرت السيما في وجوههم حتى رحمهم الله وخفف عنهم قيام الليل كله. وقيل: كان متلففا في مرط لخديجة تصلي فيه، فهو على هذا ليس للتهجين بل هو ثناء عليه بالاجتهاد، وأمر بأن يدوم على ذلك، ويواظب عليه. وقد سئلت عائشة - رضي الله عنها - ما كان متزملا به؟ فقالت: "مرط طوله أربعة عشر ذراعا، والله ما كان من خزّ ولا مرعزّي (١) ولا صوف، كان سداه شعرا ولحمته وبرا" (٢).وقيل: دخل على خديجة أول ما نزل عليه جبريل فدخل يرجف وبوادره ترعد فقال: زملوني. فزملوه فنزلت، فبينا هو على تلك الحال ناداه جبريل (٣). وقيل: زمل أمرا عظيما، أي: حمّله. والزمل: الحمل، وازدمله: احتمله.

قوله: {نِصْفَهُ} بدل من الليل و {إِلاّ قَلِيلاً} استثناء من النصف، خير بين أمرين:

أحدهما: أن يقوم نصف الليل وأن يقوم أقل منه، وإن شئت جعلته بدلا من "قليلا" وكان مخيرا بين ثلاثة أمور: أن يقوم نصف الليل بكماله، أو ينتقص منه قليلا، أو يزيد عليه قليلا، ثم إن شئت جعلت الهاء في "نصفه" عائدة إلى النصف، فيكون مخيرا بين النصف والربع والزيادة على الربع، ويجوز أن تجعل الزيادة تتمة الثلث؛ لكونها مطلقة ويجوز أن تجعل الزيادة تتمة الثلث، فيكون تخييرا بين النصف والثلث والربع.

فإن قلت: أكان القيام فرضا أم لا؟ قلت: عن عائشة - رضي الله عنها -: "إن الله جعله (٣١٧ /ب) تطوعا بعد أن كان فريضة" (٤).وقيل: كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس، ثم نسخ بهن إلا ما تطوعوا به. وعن الحسن: كان قيام ثلث الليل فريضة وكانوا على ذلك سنة (٥). وقيل: كان واجبا وإنما وقع التخيير في المقدار ثم نسخ


(١) المرعزى والمرعزاء والمرعزى والمرعزاء: اللين من الصوف، وحكى الأزهري المرعزى: كالصوف يخلص من بين شعر العنز. ينظر: لسان العرب (رعز).
(٢) نسبه الزيلعي في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (٤/ ١٠٧)، والحافظ ابن حجر في تخريج أحاديث الكشاف للزمخشري (ص: ١٧٨) للبيهقي في الدعوات. وقال الزيلعي: غريب.
(٣) ذكره الزمخشري في الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٣٦)، وقال الزيلعي في تخريج الأحاديث والآثار التي في الكشاف (٤/ ١٠٨): غريب.
(٤) ذكره الزمخشري في الكشاف للزمخشري (٤/ ٦٣٧).
(٥) نسبه السيوطي في الدر المنثور (٨/ ٣٢٢) لعبد بن حميد عن الحسن رحمه الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>